رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جدة ومشاريع البنية التحتية .. والحديث عن المستقبل

المقارنة بين جدة ودبي مطروحة بصورة دائمة، وأذكر أن الدكتور هاني أبو راس أمين مدينة جدة دعاني إلى مشاهدة عرض (برزنتيشن) عن مجموعة مشاريع تستهدف قلب جدة، ثم استعرضنا مشاريع جدة العملاقة مشروع النقل العام، مشروع المطار الجديد، مشروع جسر أبحر، مشروع المدينة الرياضية، مشروع قلب جدة النابض بالخير لمدينة شابة تتمتع بالجاذبية والحداثة والجمال.
وفي سياق حديثنا طرحنا دبي للمقارنة مع جدة، وقال لي الأمين: عند عام 2030 سوف تسترجع جدة قصب السبق لأنها تتمتع بمميزات يندر أن يكون لها نظير في أي مدينة من مدن العالم.
وكانت مدينة جدة حتى بداية التسعينيات الميلادية تسبق مدينة دبي في التحديث والتطوير، ولكن بعد ذلك خطفت مدينة دبي من صنوتها مدينة جدة قصب السبق وأخذت تحقق تقدماً ملحوظاً في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، وتحقق معدلات عالية جداً في التنمية إلى درجة أن المقارنة بين دبي وجدة اضمحلت وأصبحت دبي تقارن بمدن مثل هونج كونج وسنغافورة وغيرهما من المدن التي تحقق معدلات صارخة في النمو.
إن مدينة جدة بحكم أنها مدينة تخضع لسياسات متحفظة لأنها تقع عند بابي مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإنها أخذت سكة تختلف عن سكة الحرية والليبرالية التي انتهجتها مدينة دبي.
لقد تميزت مدينة جدة بمشاريع ذات علاقة بالسياحة الدينية، بينما شرعت مدينة دبي جميع أبوابها للاستثمار ودعت البشر من كل فج عميق للاستثمار فيها حتى أصبحت المدينة تكتظ بكل الأجناس والنحل، وأصبح المواطن الإماراتي وكأنه من خارج الإمارات بينما أصبح كل مواطني الهند وباكستان وبنجلادش والفلبين وسيرالانكا ومصر ولبنان وسورية هم السكان الأصليين في دبي.
وإذا كان البعض يرى أن المقارنة بين جدة ودبي قد اضمحلت، فإن خبراً أذاعته وكالات الأنباء أخيرا عن دبي أعاد المقارنة بقوة بين جدة ودبي.
الخبر الذي أذاعته وكالات الأنباء يقول: إن إمارة دبي على وشك أن توقع على شراكة استراتيجية مع شركة عالمية لصناعة السيارات، وإن الإمارة والشركة سوف يوقعان بالأحرف الأولى على هذه الشراكة في الشهر القادم، وبذلك تشارف مدينة دبي على أن تكون أهم مدينة في منطقة الخليج في صناعة السيارات.
وهذه المناسبة التي تستشرفها دبي بالتوقيع على شراكة استراتيجية لصناعة السيارات تذكرني بمناسبة استشرفتها مدينة جدة الوسيمة قبل نحو 50 عاماً.
في ذلك التاريخ دعت شركة محمد محمود زاهد وأولاده الوكيل الوحيد ــ يومذاك ــ لسيارات جنرال موتورز في الشرق الأوسط .. دعت الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل يرحمه الله) حينما كان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء أن يرعى حفل افتتاح معرض سيارات جنرال موتورز الذي قامت شركة زاهد ببنائه في باب مكة.
وفي تمام الساعة السادسة ظهراً بالتوقيت الغروبي (12 زوالي) وصل موكب ولي العهد الأمير فيصل وفور وصول الموكب إلى المعرض اندفع إليه كل آل زاهد يتقدمهم عميدهم الشيخ محمد محمود زاهد رئيس الشركة وأحد عقلاء وأثرياء وتجار مدينة جدة يومذاك، وتقدم نحو الأمير مقبلاً جبهته العريضة، ثم اصطحبه إلى داخل معرض السيارات الذي تم تشييده للتو لتسويق سيارات جنرال موتورز.
شركة زاهد لم تبخل على ديكورات وإكسسوارات المعرض، الجهة العريضة للمعرض كانت هي الجهة المطلة شمالاً على طريق مكة القديم، وتم تنفيذ ديكورات هذه الجهة بالقزاز السيكوريل، وكسيت أرضية المعرض بالرخام الجرانيت عالي الجودة، ولبس جدار المعرض قطيفة تعكس أضواء الكشافات الساقطة من السقف المكسي بتشكيلات جبسية مبهرة.
بمعنى أن ميزانية تجميل المعرض كانت عالية جداً حتى يظهر المعرض بأعلى درجات الأبهة والفخامة.
وبعد جلسة قلقة لم تستمر إلاّ دقائق معدودة ارتشف ولي العهد خلالها فنجاناً من القهوة العربية .. ألمح بعينيه النافذتين إلى مرافقيه الذين هبوا وقوفاً، ثم بدأ جولة على المعرض الذي كان مملوءاً بسيارات جنرال موتورز الأمريكية، وكانت السيارات في منتهى الأبهة والجمال، وكانت تطل على الشارع الرئيس وتغازل أصحاب الجيوب المنفوخة يوم كان أصحاب الجيوب المنفوخة يعدون على أصابع اليد الواحدة.
شركة بيت زاهد كانت تفتخر بأنها قد بنت معرضاً فخماً وأنيقاً لوكيلها الأمريكي جنرال موتورز، وكانوا سعداء جداً بهذا الإنجاز، وكانوا يتوسلون من الأمير كلمة اطراء يضعها في سجل الزيارات، ولكن الأمير فيصل وزع نظراته الشاردة في جميع أرجاء المعرض، ثم نادى على محمد محمود زاهد (كبير العائلة) ودس في أذنيه عبارات امتقع لها وجه زاهد، وقال في كلمات سريعة: إن شاء الله في الزيارة القادمة يا طويل العمر.
وفي إثر ذلك سخنت مركبات الموكب واستقل الأمير مركبته وغادر المكان بمثل ما استقبل به من حفاوة وتقدير.
وبعد دقائق من مغادرة الأمير معرض شركة زاهد الوثير .. دعا كبير العائلة إخوته وأولاده وأحفاده إلى اجتماع عاجل ومهم لينقل لهم ما دسه الأمير فيصل في أذنيه.
وقبل أن يتحدث كان الجميع يتوقع أن ينقل إليهم عبارات إعجاب الأمير فيصل بالمعرض الوثير الذي كان يعتبر أول معرض سيارات يبنى في جدة على هذا الطراز الفخم.
ولكن الكلمات تلعثمت في فم الرجل الكبير .. لم تخرج بسرعة حتى قال: هل عرفتم ماذا قال لي الأمير؟
فقالوا ماذا قال؟
قال كبير رئيس الشركة: إنه ينتظر منا دعوة في أقرب فرصة ممكنة لزيارة مصنع للسيارات وليس معرضا للسيارات، لأن المعرض هو مكان لتسويق سيارات أمريكية، أما المصنع فهو مكان لإنتاج سيارات سعودية، يشارك في صناعتها شباب سعودي فتي.
ومضت الآن نحو 50 عاماً على افتتاح أول معرض للسيارات في مدينة جدة، ولكن المصنع ما زال في علم الغيب ومن غير المعروف متى ينشأ المصنع الذي كان الملك فيصل يتمنى أن يفتتحه.
أما بيت زاهد اليوم فقد ذهبت بهم السبل ولم يعودوا شركة عملاقة، بل أصبحوا شركات صغيرة تلتقط أرزاقها بالعافية، أو لنقل أصبحت شركة بيت زاهد الكبرى جزراً تجارية منعزلة.
ولو قدر لبيت زاهد أن يستبدلوا المعرض الوثير بالمصنع الأكثر وثارة لكان بيت زاهد شركة عملاقة من أكبر الشركات العائلية الناجحة.
وهكذا تتطايح البيوت التجارية الكبرى في جدة، البيت تلو البيت ابتداء من بيت باناجه، وبيت زاهد، وبيت الصنيع، وبيت قابل، وبيت النشار، وبيت ابن حمد، وبيت الهزازي، وبيت الشربتلي حتى بيت البترجي وبيت الطويل وبيت شنكار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي