النفط الصخري .. مجهول القدر
على الرغم من أننا تحدثنا كثيراً عن الحدث الصخري خلال الأشهر الماضية وتطرقنا إلى الجوانب الاقتصادية والإنتاجية والمستقبلية وتأثيره الإيجابي بالنسبة لإنتاجنا النفطي في الخليج، خاصة السعودية، إلا أنه لا يزال هناك من يجد صعوبة في هضم هذه الحقيقة، على بساطتها. وسوف نحاول في هذا المقال طرح الفكرة بطريقة سهلة، لعلها توضح المقصود من قولنا "تأثير إيجابي". ولابد لنا من أن نبدأ بالظروف التي ساعدت على اللجوء إلى البحث عن مصدر تكلفة إنتاجه عشرة أمثال النفط التقليدي ومعدل إنتاج البئر الواحدة أقل من عُشر إنتاج آبارنا. وعمر بئر النفط الصخري الاقتصادي لا يزيد عن أربع سنوات. وهذه معلومات عامة تنطبق على معظم حقول النفط الصخري. فعندما وصلت الأسعار إلى المستوى الحالي وتجاوزت 100 دولار للبرميل، بعد أن وصل الإنتاج العالمي إلى الذروة والطلب لا يزال في نمو متواصل، كان لابد من البحث عن مصادر جديدة تلبي الطلب المتصاعد. وكان معروفا سلفا وجود النفط الصخري، ولكنهم لم يكونوا بحاجة له عندما كانوا يحصلون على النفط التقليدي بأسعار متدنية. ووجدوا أن إنتاج الصخري عن طريق عملية التكسير الهيدروليكي مجد اقتصادياً عند تكلفة تتراوح بين 70 إلى 90 دولارا للبرميل في معظم الحالات. واستخدموا الحفر الأفقي من أجل رفع كفاءة الإنتاج. إضافة إلى أن حفر البئر في مناطق إنتاج الصخري في أمريكا لا يستغرق أكثر من عشرة أيام، وهو إنجاز كبير إذا قورن بحفر الآبار خارج الولايات المتحدة. واعتبروا إنتاج الصخري في وقتنا الحاضر "ظاهرة أمريكية"، نظرا لتوافر عدد كبير من أجهزة الحفر ومعدات الضخ والأيدي العاملة المدربة وسهولة إبرام عقود استغلال الأرض، وتسهيلات أخرى تتعلق بنظم تلوث البيئة. وعندما نطبق فكرة إنتاج الصخري خارج أمريكا نجدها غير قابلة للتنفيذ بالتكلفة نفسها لأسباب كثيرة، معظمها لوجستية وجيولوجية. ولذلك فمن المحتمل ألا تكون اقتصادية قبل بلوغ الأسعار مستوى قريبا من 150 دولارا للبرميل، خصوصا في المراحل الأولى من عمليات الإنتاج. وقد بلغت كميات إنتاج الصخري حتى الآن ما يربو على أربعة ملايين برميل، وهي في ارتفاع مستمر. ويتوقعون وصولها إلى الذروة عند ستة ملايين برميل في حدود عام 2019. أما إذا ارتفعت الأسعار إلى مستويات قياسية، بسبب نقص في المعروض، فمن المؤكد أن إنتاج الصخري سوف يستمر في الارتفاع، ربما بمشاركة متواضعة من دول أخرى، مثل كندا والصين وروسيا وأستراليا.
إلى هنا، والكل فيما يظهر متفقون. ولكن الاختلاف في الرأي يتعلق باعتقاد أن الصخري يهدد مستقبل الإنتاج التقليدي، ومن ضمنه إنتاج دول الخليج. ونحن نريد في هذا المقام إبراز وجه آخر للقضية.. ونرجو أن يتقبل البعض بصدر رحب وجهة النظر التي سوف نعرضها خطوة بخطوة، وله حرية الاقتناع من عدمها. فمن البديهي ألا يتغلب برميل نفط تكلفة إنتاجه 80 دولارا على برميل نفط تكلفته خمسة إلى عشرة دولارات، وإلا فنحن لا نتعامل بموجب المنطق السليم. ومجموع الإنتاج العالمي من السوائل النفطية قد تجاوز الـ 90 مليون برميل، بما فيها الإنتاج الصخري. وجميع الدول المنتجة تنتج بكامل طاقتها. والطلب العالمي حاليًّا يساوي أو يزيد قليلا على كمية الإنتاج، وإلا لما ثبتت الأسعار خلال سنوات فوق مستوى 100 دولار. وهذا يعني أننا بحاجة إلى الإنتاج الصخري كرافد للتقليدي. وبدونه، يكون مجموع الإنتاج أقل من متطلبات السوق النفطية بأربعة ملايين برميل. وهذا الوضع كفيل أن يرفع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة. ونعود إلى صلب الموضوع، وهو تأثير الصخري على إنتاجنا، وهي نقطة الخلاف. اليوم، ومنذ بدأ الإنتاج النفطي في بلادنا، ونحن نعتمد اعتمادًا شبه كلي على المداخيل النفطية. وبموجب الأسعار الحالية، فإن إنتاج ثمانية ملايين برميل في اليوم تغطي أكثر من 90 في المائة من متطلبات حياتنا. ولكننا اخترنا أن تكون السعودية البلد المرجح في حالة حدوث نقص في الإمدادات النفطية من أجل الحفاظ على استقرار السوق وعدم الإضرار بالاقتصاد العالمي، وهي تضحية من جانبنا نستحق عليها التقدير من الآخرين. فرفعنا مستوى إنتاجنا إلى عشرة ملايين برميل تلبية لرغبة السوق النفطية، وليس رغبة منا في استنزاف ثروتنا الناضبة. ونعتقد أن من الواضح لكل ذي بصيرة أنه دون إضافة أربعة ملايين الصخري لكنا قد اضطُرِرنا إلى رفع إنتاجنا إلى 13 مليون برميل، وهو ما لا نود حدوثه على الإطلاق. لأن ذلك سوف يكلفنا مبالغ خيالية وينهك حقولنا ويقرب نضوبها. ألا يكفي هذا بأن يجعلنا نرحب بالصخري؟
أما ما يتردد في وسائل الإعلام المحلي والخارجي من أن إنتاج الصخري سوف يحد من الطلب على نفطنا فهو أمر مجانب للحقيقة. فالعالم متعطش إلى مزيد من مصادر الطاقة وحقول النفط التقليدي الرخيص تنضب أمامنا ونحن لا نزال نتحدث عن الوفرة النفطية الوهمية. وأكبر خطر على مستقبلنا في دول الخليج هو إسرافنا في الإنتاج واستنزاف ثروتنا بأيدينا قبل أن نكون في وضع نستطيع معه الكسب والعيش من عرق جبيننا ونتاج عقولنا. وهناك جانبان لفكرة تهديد الصخري لمستقبل إنتاجنا، خارجية ومحلية. الخارجية تتمثل في تقارير لمؤسسات دولية تنظر إلى إنتاجنا بعين غربية رأسمالية، مبنية على مبدأ أن هدفنا هو تسويق أكبر كمية ممكنة من النفط، دون اعتبار للمصالح الوطنية ومستقبل أجيالنا. أما الرؤية الثانية التي غالبا ما نسمعها من إخوة لنا في المواطنة، فهي دون شك نابعة عن حسن نية، ولكن تعوزهم المعلومة الصحيحة عن ديناميكية الإنتاج النفطي.