رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أين سيكون الغرب بعد 50 سنة من الآن؟

تحدثنا عن المستقبل في رسالة الجمعة الفائت، وركزنا فيها على الشرق الأوسط. لا يخفى أن قراءة المستقبل ليست أمرا سهلا أبدا، وليس هناك اليوم عالم أو مركز أبحاث أو جامعة بإمكانها القول إن هذا سيحدث بالضبط بعد مثلا 50 سنة من الآن.
قد يتساءل القراء إن كان من الصعوبة بمكان القول كيف سيكون الأمر في المستقبل لماذا كل هذا العناء؟ وقد يطرح آخرون أحداثا خطيرة ذات تأثير كبير جدا في حياة ليس فقط أمة ومجتمعا أو دولا محددة، بل البشرية جمعاء وقعت دون أن ينتبه إليها أو يتنبأ بها أحد.
ونحن الأكاديميين الذين يقع اختصاصنا ضمن العلوم الاجتماعية وكي نتجنب الذاتية واللوم أو ربما الإدانة نلحق باستنتاجاتنا جملاً وعبارات تدلل على أن ما توصلنا إليه يخص ما لدينا من عيّنات وضمن نطاق وسياق البيئة التي أجرينا فيها البحث، أي إن بقيت الأمور ثابتة، وإن لم يحدث طارئ يؤدي إلى تغير في المعطيات.
أخطر شيء يواجه أكاديميي العلوم الاجتماعية هو التعميم، والقول إن ما توصلنا إليه ينطبق خارج زمنكانيته. واليوم لا نستطيع وضع حدود لكل علم على حدة، لأن العلوم برمتها تتداخل، ولهذا صار اليوم من غير الممكن إلغاء دور العلوم الاجتماعية وتأثيرها في الحقول الأخرى مثل العلوم العسكرية والاقتصادية والطبية والصحية وغيرها.
والعلوم الحديثة اجتماعية أو غيرها اكتسبناها من الغرب. إذا لنرجع إلى الغرب وندرس كيف ينظر إلى الحاضر والمستقبل. علينا أن نستثني الماضي لأن الغرب يحاول بكل طاقته رمي أردان الماضي في التنور كي تحترق. همّه الحاضر وماذا سيكون عليه الأمر في المستقبل.
وفي هذا العمود تحدثنا كثيرا عن الماضي لأهميته البالغة والقصوى لدى العرب، حيث يحن غالبيتهم للماضي، لأنه حسب وجهة نظرهم يضم فترات ونقاطا وأسلوب حياة وسيرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وعسكرية وإنجازات أفضل مما منحه لهم حاضرهم. وصار الحكم ليس على الحاضر بل المستقبل أيضا من خلال معيار ما كان عليه الماضي.
وصار للتدين "أنا أميز في كتاباتي إن في الإنجليزية أو العربية بين المؤمن والمتدين" ورجالاته ـــــ شيوخ ودعاة وغيرهم ـــــ مكانة بارزة يحسدهم عليها حتى أقرانهم في العهود الماضية، ولأن التدين يأخذ من الدين أو الفكر النير كالإسلام مثلا قشوره ويمط ويمد النص وتفسيره لتلبية أغراضه، ازداد عدد الوعاظ وأقحموا أنفسهم تقريبا في كل زاوية من زوايا الحياة العصرية، وتتبعهم الناس أفواجا. بمعنى آخر فشل الحاضر العربي في عصرنة التديّن.
في الغرب الناس تزدري المتدينين ورجال الدين الذين بعد فشل كل محاولاتهم لإثبات صدقيّة تديّنهم صاروا يلهثون في اللحاق بالحياة المدنية وأخذوا يساومون على ما كانوا يرونه أحكاما "سماوية" مطلقة مثل النظرة إلى مثليي الجنس وقبول النساء في السلك الكهنوتي وأمور الطلاق والعزوبية وغيرها، وأخذوا يمدون ويمطون في تأويلاتهم لما كانوا يرونه أنه تفاسير مقدسة لنصوص "سماوية" لا يجوز التلاعب بها لمواءمة الحياة العصرية.
وصار الكل تقريبا المتدينون "وعددهم في أفول ويدعون أنهم أصبحوا أقلية مضطهدة" والعلمانيون الممسكون بزمام الأمور يعيش للحاضر ويريد أن ينسى الماضي ليس البعيد بل القريب جدا، ويضعون سيناريوهات "يسمونها تنبؤات" عما سيكون عليه المستقبل، ويضعون أكثر من حل وأكثر من خطة للتعامل مع ما سيكون عليه الأمر في المستقبل القريب والبعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي