الاستثمار الثقافي
يذهب الذهن إلى أن المقصود بالاستثمار الثقافي إيجاد دار نشر، أو مطبعة يتوجه نشاطها نحو طباعة الكتب، والرسائل، ونشرها، وتوزيعها في منافذ التوزيع، أو إيجاد قناة تلفزيونية، وإذاعية، أو إيجاد صحيفة، أو مجلة، وهذا صحيح إلى حد كبير، إلا أن هذه وغيرها تمثل أوعية، وأدوات، ولذا فإن المقصود في الثقافة في هذا المقال هو المحتوى، والمضمون الذي من الممكن أن تقدمه هذه الأدوات والأقنية.
الأفكار، والمشاعر، والاتجاهات التي يجب تأصيلها في نفوس الأفراد، وما يترتب عليها من توجيه للسلوك هذه هي الثقافة التي نقصدها في هذا المقال، ثقافة تظهر آثارها في حياتنا اليومية في الشارع، وفي مكان العمل، وفي المرافق العامة، كالمساجد، والحدائق، والمستشفيات، وغيرها. الثقافة تشمل تعاملنا مع البيئة، ومع الآخرين، إضافة إلى ثقافة صحية وغذائية تنعكس آثارها على حياتنا.
المشاهد التي نراها، وبتكرار تشير إلى افتقادنا الثقافة الموجهة للسلوك، فما نراه من حوادث مرورية بشعة ومدمرة، إضافة إلى المخالفات المرورية التي يصعب تقبلها، يكشف عن خلل ما، فاللوائح والأنظمة موجودة، ولكن السلوك يأتي مناقضاً للأنظمة واللوائح، ومثل هذا الوضع يطرح تساؤلاً لماذا هذا التباين بين السلوك والأساس النظري، ولماذا لم يحدث الأساس النظري أثره للالتزام بالأنظمة؟!
الثقافة الصحية من حيث ما نأكله، وكيف، ومتى هذا جانب مهم يلزم الوقوف عنده لما له من آثار إيجابية وسلبية على حياة الناس واقتصاداتهم، فالأفراد والدول تنفق الكثير من الأموال على العلاج نتيجة الأمراض، والسمنة الناجمة من الخلل الذي يوجد في الثقافة الصحية المتمثلة في نوع الغذاء الذي نأكله، وقته، وعناصره، إضافة إلى افتقادنا النشاط الرياضي الذي يشكل جزءاً من الثقافة الصحية.
من التصرفات المؤلمة التي تتكرر في المسجد الحرام بمكة المكرمة، خاصة في رمضان، وقت الإفطار، عدم اهتمام الكثير من الزوار والمعتمرين بنظافة المكان، إذ الكثير يترك مخلفات الأكل، والمناديل، والصحون، والكاسات الورقية والبلاستيكية في مكانها، ولا يكلف نفسه وضعها في المكان المخصص لها، وما من شك أن هذه التصرفات إضافة لأضرارها الصحية، لها آثار اقتصادية فأعمال النظافة الضخمة على مدار الساعة مكلفة، ويمكن أن نوفر الكثير من الأموال والجهود لو تعاون الناس وأدركوا قيمة النظافة.
الجموع التي تفد إلى مكة للعمرة والصلاة في البيت العتيق تأتي من مناطق مختلفة في العالم وتتحدث لغات مختلفة وبمستويات تعليمية وثقافية متفاوتة، وهذا قد يكون أحد أسباب مثل هذه التصرفات غير الحضارية، التي تتناقض مع ما يحث عليه ديننا الحنيف بشأن النظافة، والنظام الذي يحسن الالتزام به في كل الأوقات، والأماكن، فكيف حين يكون الإنسان في المسجد الحرام، أين احترام المكان، والزمان، ولكن ما يلاحظ، وبشكل متكرر افتقاد الكثير هذا الشعور.
منطلق الثقافة التي يلزم تأصيلها، وتبذل الجهود من أجلها من قبل الدول الإسلامية هو ربط المحافظة على النظافة، والنظام بمفهوم العبادة فهؤلاء الذين جاءوا من أماكن بعيدة، وبذلوا الأموال طمعاً في الثواب، يلزم توعيتهم أن الالتزام بالنظام و النظافة هو عبادة يؤجر عليها الزائر والمعتمر، ولعل التوعية من خلال تعليمات تعطى للمعتمرين والزوار في المنافذ، إضافة إلى عرض مشاهد مصورة تعرض على الشاشات المحيطة بالحرم يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح لنحقق مفهوم العبادة ونوفر الأموال التي تنفق على النظافة وكذلك الجهود.