حاضنات مبادرات الأعمال السياحية

أحد الأصدقاء قال لي: إن مجموعة من الشباب الخليجيين أرادوا السياحة في منطقة حائل واتصلوا عليه وطلبوا منه أن يرشح لهم شركة، تنظم لهم رحلة سياحية يزورون خلالها معالم حائل السياحية والتاريخية، إضافة للتواصل مع أهالي حائل المشهورين بالكرم الحاتمي، ذلك أن ديار كريم العرب حاتم الطائي تقع في حائل.
يقول صاحبي هذا: إنه حاول أن يجد شركة متخصصة لتنظيم هذا النوع من الرحلات السياحية إلا أنه لم يوفق، ثم بحث بعد ذلك عن أفراد من أهل المنطقة لكي ينظموها ولم يوفق أيضاً، الأمر الذي اضطره للتواصل مع أحد شباب حائل الكرام، الذي رتب لهم رحلة سياحية متكاملة تحمل منها هذا الشاب تكاليف كبيرة من حساباته الخاصة، لأنه يرى أن القادمين ضيوف وليسوا سياحاً.
يضيف صاحبي أنه رتب لهم السكن في إحدى الشقق الفندقية في مدينة حائل وفي كل يوم ينطلق بهم الشاب الحائلي إلى إحدى المناطق السياحية والتاريخية بالتنسيق مع بعض أهالي القرى، الذين يلتقون بالشباب الخليجيين ويرحبون بهم ويضيفونهم ويشرحون لهم قصصهم وتاريخ مناطقهم، ومن ذلك جبل سلمى وجبل أجا ومنطقة فيد التاريخية وقرية جبة ومتحفها، الذي أنشأه أحد أهاليها، إلى غير ذلك من المواقع.
وقد استمتع الشباب الخليجيون متعة كبيرة وغادروا حائل وهم لا يودون ذلك لما وجدوه من كرم وترحاب ومتعة ومعلومات مفيدة، وتمنوا العودة مرة أخرى مع أسرهم.
يقول صاحبي: إن الشباب الخليجيين قالوا له: نريد أن نعوض الشاب عمّا تكلّفه من أموال لكنه لم يجد لذلك سبيلاً احتراماً له ولجماعته، الأمر الذي دفعهم لإرسال الكثير من الهدايا فيما بعد لكل من تواصلوا معه لرد الجميل بطريقة غير مباشرة وأسروا لصاحبي أنهم يتمنون أن يكون هناك مكتب سياحي يمكن أن يتواصلوا معه لزيارة المنطقة أكثر من مرة دون إحراج.
طرح صاحبي على الشاب فكرة تأسيس مثل هذا المكتب السياحي هو ومجموعة من شباب حائل، خصوصاً أن المنطقة تتميز بالجبال والسهول والنفود معاً وشهدت مناطقها قصصاً تاريخية كثيرة ويتمتع أهلها بالثقافة السياحية بالفطرة، حيث إنهم مجتمع مبتسم مضياف كريم الطباع وهو ما شهد به الجميع، إلا أن الشباب علل عدم قدرته على ذلك بالحاجة لرأس مال كبير ومكتب وتراخيص وغير ذلك وهو مشروع تكتنفه المخاطر، التي لا يستطيع أن يتحملها مضيفاً أن الكثير من الشباب فكروا بذلك إلا أنهم يخشون الخسائر فضلاً عن تحسسهم الحرج من تحويل عاداتهم بالكرم إلى استثمار تجاري وهو أمر أعتقد أنه يمكن تجاوزه.
أنا وغيري كسعوديين نتمنى أن نجوب بلادنا من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها لنتعرف على تاريخها وجغرافيتها وسكانها وتنوعها الثقافي على أرض الواقع، خصوصاً لو توفرت برامج سياحية قصيرة المدة؛ لمدة ثلاثة أو خمسة أيام، ولكننا نخشى المجهول من جهة التكلفة ومن جهة المتعة والترفيه حيث لا يوجد مكاتب سياحية مهنية تنظم مثل هذه الرحلات السياحية وبأسعار تشجيعية أو حتى غير ذلك.
كثيراً ما أسمع بعض الأصدقاء يقولون: بودنا أن نقوم بجولة في ربوع بلادنا لنرى تبوك وشواطئها والجوف ومزارعها وحائل وجبالها وتاريخها وجازان وثرواتها ونجران وأخدودها، بل إن بعضهم يود أن يمضي بعض الأيام في منطقة الربع الخالي، التي يسمع عنها غرائبها ولا يراها، وبعضهم يؤكد أن رحلة العمرة لمدة ثلاثة أيام بنحو 100 ريال مثال للقدرة على تنظيم رحلات سياحية لشبابنا في ربوع بلادنا بأسعار مشجعة يكون لها دور كبير في تعزيز حب الوطن واللحمة بين مكوناته، فضلاً عن أهدافها الاقتصادية وتوفيرها لفرص عمل واستثمار لشبابنا.
مرحباً ألف والشقة بألف عبارة يتندر بها بعضهم لارتفاع أسعار السياحة الداخلية في مناطق الجنوب الباردة صيفاً، والتي تقبل عليها بعض الأسر السعودية بفصل الصيف وعادة لا يعود لها الكثير من المواطنين مرة أخرى؛ بسبب ارتفاع تكاليف مثل هذه الرحلات عشوائية التنظيم ويفضلون الذهاب لدول خارجية مثل: ماليزيا وتركيا وإندونيسيا وغيرها، حيث المكاتب السياحية التي تنظم رحلات سياحية ممتعة ومعقولة التكاليف.
بكل تأكيد مناطقنا السياحية التي تنشط في مواسم الصيف يمكن أن تنظم لها رحلات قصيرة وممتعة في أوقات أخرى بأسعار تشجيعية للأسر والشباب، ولكن أين المكاتب التي تنظم مثل هذه الرحلات المشجعة والمحفزة، غائبة كما يبدو لي، ولذلك يلجأ الكثير لبعض المواقع الإلكترونية التي تعطي معلومات بناء على تجارب وخبرات مرتاديها، فبعضهم يسأل والآخر يجيب من منطلق تجربته إن كانت سعيدة أو مريرة أو غير ذلك.
الهيئة العامة للسياحة والآثار، التي طورت وما زالت تطور وتنظم السياحة في بلادنا وتعمل على الحفاظ على حقوق أطرافها كافة أعتقد يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تحفيز السياحة المشجعة للأسر والشباب للتنقل في ربوع الوطن والتعرف على جغرافيته وتاريخه وثقافاته وأهله وذلك عبر تكوين حاضنات مبادرات الأعمال السياحية لأهالي كل منطقة، حيث تقوم الهيئة بتأسيس مكاتب سياحية حاضنة للشباب الراغبين بممارسة الإرشاد السياحي وتنظيم برامج سياحية للأسر والشباب في مناطقهم على أن توفر لهم الحاضنات والدعم الفني والإرشادي والإداري لحين اشتداد عودهم وقدرتهم على تأسيس مكاتب سياحية خاصة بهم.
ختاماً أعتقد أن حاضنات مبادرات الأعمال السياحية للشباب السعودي تتجاوز إنعاش السياحة في مناطقنا بالأوقات جميعاً وفي نهاية الأسابيع على وجه الخصوص إلى تحقيق أهداف وطنية تشتمل تعزيز الانتماء والولاء والمحبة والاحترام واتطلع إلى أن تطلق هيئة السياحة هذه الحاضنات في القريب العاجل أو تفعّلها بشكل كبير إن كانت مستحدثة فيما سبق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي