انخفاض إنتاجية الموظف.. في شهر رمضان المبارك
بدأ الإعلام السعودي يناقش قضية من أخطر القضايا الموسمية التي يتعرض لها الاقتصاد السعودي، وهي إشكالية انخفاض إنتاجية الموظف السعودي في شهر رمضان المبارك بما نسبته 50 في المائة وفقاً لدراسة غير رسمية معلنة.
والواقع أن الشهر الكريم لا يتحمل وزر هذا الانخفاض الذي لا شك أنه يلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد الوطني، لا سيما أن إنتاجية الإنسان السعودي تعتبر -على وجه العموم- من المعدلات المنخفضة مقارنة بإنتاجية الموظف في الدول المتقدمة أو حتى الدول الناشئة.
إن شهر رمضان المبارك -مثله مثل كافة الشهور الأخرى- يتغلغل في ثلاثين يوماً، وأيامه المباركة تمتد في بحر 24 ساعة مثله مثل باقي الأيام.
ولكن المتغير في منظومة الأداء هو الإنسان وليس الشهر الكريم، فالإنسان هو الذي قلب موازين الشهر وامتهن السهر بالليل والنوم بالنهار، والإنسان هو الذي ابتكر قائمة طعام (مينيو) ضارة بالصحة، بمعنى أن الإنسان وليس الشهر الكريم هو الذي شكل العادات والتقاليد وتفنن في مواعيد النوم وأشكال الطعام المحبطة والموعكة والتي لا تساعد على زيادة الإنتاجية!
وكانت النتيجة الطبيعية هي اضطراب في الصحة، واضطراب في مواعيد الراحة، ومواعيد العبادة والمناجاة.
ولا شك أن المحصلة النهائية لهذه السلسلة من الاضطرابات هي انخفاض ملحوظ في إنتاجية الموظف السعودي إلى ما معدله 50 في المائة.
وبصورة عامة نحن في عالمنا العربي والإسلامي نعاني انخفاضا ملحوظا في الإنتاجية، وبهذه المناسبة، فإن منظمة العمل العربية أجرت دراسة جادة حول قضايا البطالة وإنتاجية العامل العربي، فجاءت الدراسة -للأسف- على غير ما تشتهي وتتمنى المنظمة العربية، لأنها أوضحت أن إنتاجية العامل العربي منخفضة للغاية مقارنة مع غيره من العمالة في الأسواق العالمية والأسواق الآسيوية، وفي هذا السياق كشف أيضاً تقرير "التنافسية العالمية" أخيراً عن تدهور إنتاجية العامل العربي الذي بلغ المركز الـ130 من أصل 131 دولة.
إن إنتاجية العامل في الاتحاد الأوروبي تقدر بـ8,5 من عشرة، كما أن إنتاجية العامل في الولايات المتحدة تناطح الـ 7,4 من عشرة، كما تسجل إنتاجية العامل الباكستاني والبنغالي نحو 4,5، أما العامل العربي فتنحدر إلى نحو 2,5 من عشرة.
إن انخفاض إنتاجية العامل العربي مع غياب العمالة الماهرة في الأسواق العربية.. أدت بالضرورة إلى زيادة معدلات البطالة، وزيادة البطالة -كما نعلم- تؤدي إلى انخفاض ملحوظ في معدلات جودة الإنتاج، وإذا انخفضت معدلات جودة الإنتاج في الأسواق العربية، فسوف تبتعد كثيراً عن التنافسية الدولية.
وهكذا يصبح وضع العامل العربي في موقف حرج مقارنة بالعمال في كل دول العالم، الأسخم من ذلك أن العامل الخليجي في وضع أكثر حرجاً، وبالذات حينما يقارن مع نظيره العامل الآسيوي في الأسواق الخليجية.
ولذلك يلاحظ في أسواق العمل الخليجية أن الطلب على العامل الآسيوي مرتفع جداً في مقابل انخفاض الطلب بشكل هائل على العامل الخليجي، ولذلك فشلت جداً كل سياسات "الخلجنة" التي ما فتئت تنادى بإحلال العامل الخليجي محل العامل الآسيوي، والخوف أن تصبح هذه الظاهرة -في المستقبل- سمة دائمة في الأسواق الخليجية.
وإذا كانت إنتاجية العامل الخليجي منخفضة في القطاع الخاص، فإنها الأسوأ في القطاع الحكومي الذي يتميز بالتضخم الوظيفي ويزداد فيه التهرب والغياب والانشغال بقضايا لا تمت إلى العمل بأي صلة، بل تشير بعض الدراسات التي صدرت في دول الخليج إلى أكثر من هذا، فقد أصدر الأكاديمي الزميل الدكتور أسامة عبد الرحمن كتاباً قال فيه: إن مشاريع التنمية التي يتشدق بها الخليجيون لم يصنعها الإنسان الخليجي، وإنما هي صناعة آسيوية بناها العامل الآسيوي، ويتندر الدكتور أسامة ويقول: إن القهوة الخليجية التي ترتبط بالمزاج الخليجي الخاص لم يعد يصنعها الإنسان الخليجي؛ لأنه أوكل صناعتها إلى العامل البنغالي أو حتى الفلبينى.
إن علماء الموارد البشرية يطلقون على العمالة الماهرة والمدربة بأنها الثروة القومية التي لا تنضب، أي أن الإنسان الذي يتميز بمهارات نادرة وإنتاجية عالية.. هو المورد الأعلى والأثمن حتى من الثروات الطبيعية كالذهب بشكليه الأسود والأصفر، ولذلك فإن دولاً كثيرة تعتمد في إيراداتها القومية على تصدير العمالة المدربة لزيادة عائداتها وزيادة مواردها المالية.
إن ملف العمالة والإنتاجية والأجور والإدارة في الخليج.. يجب أن تعاد دراسته بأسلوب علمي جاد على أساس ربط الأجر بالإنتاجية Equal salary for equal work، ولا تترك الإنتاجية بعيداً عن الأجر، ولا الأجر بعيداً عن الإنتاجية، لأنه ثبت بأن الأجور العالية والبعيدة عن الإنتاجية.. هي السبب الرئيس الذي أدى إلى انخفاض الإنتاجية والاتكالية والكسل وغياب المسؤولية والهروب من العمل والغياب والفساد بكل أشكاله وألوانه.
المطلوب الآن أن نعيد النظر في المناهج التدريبية والتعليمية، ونعطي للتدريب المتخصص القائم على التكنولوجيا المتقدمة جرعات أكبر بشكل يجعل للعمل قيمة عالية عند الإنسان الخليجي.
إن تجارب ماليزيا وسنغافورة والصين والهند وكوريا.. يجب تطبيقها لإيجاد أجيال من العاملين الذين يقدسون العمل ويحترمونه خاصة أن نظام العمل الجديد يتهم بأنه يدلل العامل ويحضه على التمرد على أصحاب الأعمال.
وفي هذا الصدد فإن غرس قيمة العمل داخل الإنسان السعودي مطلب أساسي لزيادة الإنتاجية، لأن الإنتاجية مع المهارة هما التحدي الرئيس لعملية التنمية المستدامة في جميع دول الخليج، ولا يخفى على الجميع أن سوق العمل الخليجي يعاني حالياً ندرة حادة وجادة في الكوادر الماهرة حتى إن كل الشركات تسعى إلى العمالة المدربة من خارج دول الخليج.
والثابت أن العامل السعودي إذا وضع في ظروف عملية منضبطة ومحكمة، فإنه يعطي لأنه ـ في الأساس ـ يتمتع بنزعة دينية عميقة، وديننا الحنيف يحضنا على العمل ويكلفنا بعمارة الأرض والكون.