إفصاح «دار الأركان» .. بين الأنظمة والعوائق

القارئ لتقرير مجلس إدارة دار الأركان وللقوائم المالية عن عام 2013، التي صدرت في شباط (فبراير) 2014 خاصة الإفصاح الذي ورد فيهما عن إيقاف المراجع القانوني وتسجيل بعض الأصول والعقارات بأسماء آخرين يجد الكثير مما يستحق القراءة والكتابة فيه، ولقد كنت حريصا على التعليق على هذه القضايا منذ فترة لكن سخونة بعض المواضيع تؤجل مثل هذا الطرح، والتقرير بشكل عام زاخر بالكثير من الموضوعات لكن لعل أهم قضيتين استرعتا انتباهي في تقرير شركة دار الأركان - كما قلت - الأولى قضية إيقاف المراجع القانوني طلال أبو غزالة من قبل وزارة التجارة لمدة شهرين متتابعين تبدأ من 8/ 12/ 2013 وحتى 4/ 2/ 2014. أي مع نهاية السنة المالية تماما، وهنا أشيد تماما بالإفصاح الذي قامت به شركة دار الأركان، حيث أكدت بأنه تم إيقاف العمل مع المراجع كما تم إسناد نطاق أعماله إلى المراجع الثاني في العملية، حيث إن الشركة كانت قد تعاقدت مع مراجعين اثنين لتنفيذ أعمال المراجعة عن عام 2013، فلم تكن تواجه مشكلة حقيقية عند نهاية السنة، والسؤال عن بقية الشركات التي كان المراجع يقوم بمراجعتها خلال الفترة نفسها.
الموضوع الثاني يتعلق بإفصاح شركة دار الأركان في تقرير مجلس الإدارة أنها قامت بتسجيل بعض الأصول لديها بأسماء وكلاء وممثلين لها وذلك لأغراض تجارية وعملية كما قالت الشركة، لكن الشركة في تقريرها المالي لم توضح تلك الأصول ولم توضح حجمها وقيمتها الفعلية حتى يتسنى للمستثمرين فهم واقع الشركة والمخاطر المصاحبة لمثل هذا الإجراء، ولعل أهم ما في هذا التصريح تعليل الشركة أن هذا الإجراء معمول به في بعض المصارف السعودية المحلية والشركات التي قد تواجه بعض الصعوبات لدى كتابة العدل أو لأسباب تجارية.
والآن أعود لمناقشة هاتين القضيتين التي توضح إلى أي مدى قد تتعرض الشركات لمشاكل كبيرة بسبب إجراءات قانونية ليست طرفا فيها، ففي موضوع المراجع أعتقد بأن الوقت قد حان لإعادة النظر في نظام المحاسبين القانونيين خاصة بعد التطور الكبير الذي شهدته السوق المالية، فعقوبة شهرين لا معنى لها، خاصة إذا أتت مع نهاية السنة المالية هل هذا يشمل الشركات التي سبق ووقعت عقدا مع المراجع وأنجز الكثير من أعمال المراجعة، فالمتضرر هنا هي الشركة والسوق المالية فقط، فالمراجع سيحصل على حقوقه في مقابل ساعات العمل التي قضاها عن الفترة الفاصلة Interim period التي تأتي من بداية السنة المالية وقبل نهايتها، وفيها تمت معظم أعمال المراجعة، كما أنه سيحصل على جميع مستحقاته عن أعمال مراجعة القوائم ربع السنوية، لكن الشركة التي جاءها قرار الإيقاف مع نهاية السنة المالية ستواجه صعوبات لا حصر لها، فهي في حاجة إلى تعيين مراجع حسابات جديد وهذا يتطلب منها قرار جمعية عمومية، وهذا معناه تأخر أعمال المراجعة وتعرض الشركة للعقوبات.
في حالة دار الأركان تمكنت الشركة من معالجة الأمر من خلال إسناد المهمة إلى المراجع الثاني لأنها كانت قد عينت مراجعين اثنين لحسن حظها لكن الشركات الأخرى ماذا فعلت فعلا، للأسف لا تفصح الشركات بشكل جيد عن تعيين المراجعين وعزلهم وأتعابهم وهذه مشكلة ما زالت قائمة ولم تحل بعد ونأمل من هيئة السوق التأكيد عليها، فمثلا شركة فتيحي كانت قد عينت مكتب طلال أبو غزالة لمراجعة القوائم المالية عن عام 2012 وأكدت في تقرير مجلس الإدارة أنه ليس لديها نية لتغييره حتى يكمل ثلاث سنوات، ثم في عام 2013 جاءت بمراجع آخر فهل طرأ تغيير خلال أعمال الجمعية العمومية في عام 2013 أم استجابة لقرار وزارة التجارة، أنا لا أعرف ولم أتمكن من ذلك. كذلك الحال في شركة مبرد. لا ألوم على الشركات لكني أجزم أن عقوبة شهرين لن تؤثر كثيرا على المراجع بقدر تأثيرها على الشركات المساهمة، وهناك الكثير الآخر في نظام المحاسبين تحتاج إلى تعديل وتطوير فهل حان وقته؟
في الموضوع الثاني، نجد أن دار الأركان واحدة من الشركات القلائل جدا التي أفصحت بأنها تسجل عقاراتها بأسماء ممثلين لها، لمواجهة مشاكل عملية أشارت إليها ضمنا بأنها مشاكل مع كتابة العدل ومشاكل تجارية، لن أناقش المخاطر الكبرى التي قد تواجه الشركة ومساهميها من جراء مثل هذا التصرف على الرغم من أن الشركة قد أفصحت بأنها قد اتخذت الاحتياطات القانونية كافة، لكن ومرة أخرى تجد الشركات نفسها أمام عوائق قانونية لم تتوافق مع متطلبات السوق والاقتصاد وهي في حاجة ماسة إلى تحديث سريع وشامل لها، أو على الأقل أن تصدر الجهات ذات العلاقة قرارات وإجراءات تحد من هذه المشاكل وتساعد الشركات على تصحيح أوضاعها، فأنا - شخصيا - لا أعتقد أن شركة بحجم دار الأركان ومشاريعها تقوم بمثل هذا الإجراء إلا وهي مضطرة له، كما أن عددا كبيرا من الشركات متورطة فيه بطريقة أو بأخرى، وجميع هذه المؤسسات - كما أشار تقرير دار الأركان - تمثل مصارف وشركات كبرى.
فالموضوع لن يخرج بحال عن أمرين، إما أن هذه الشركات تقوم بتصرفات غير قانونية تماما وتريد إخفاء معالمها من خلال تسجيل هذه العقارات والأصول بأسماء أخرى للخروج من المسؤوليات إن هي حدثت؛ وهذا يصعب قبوله من شركات بهذا الحجم ورجال أعمال بهذه الأسماء، أو أن النظام نفسه لم يعد يتوافق مع متطلبات الاقتصاد؛ وهنا تضطر الشركات لتسهيل عملياتها وإنجاز معاملاتها إلى اتباع إجراءات خطيرة وغير ملائمة قانونيا، فهل حان الوقت لمراجعة اقتصادية لأنظمتنا، وفهم واقع الاقتصاد الحر؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي