رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حكمة امرأة

عندما يكون المرء في رحاب القرآن الكريم ويتأمل في آياته يجد الكثير مما يستوجب التفكر والتأمل لما فيها من الحكمة وبعد النظر للأطراف التي تتحدث عنهم الآيات، في سورة النمل الآيات من 29 وحتى الآية 44 تتحدث عن قصة النبي سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ بلقيس، وكيف تصرفت الملكة عندما وصلتها الرسالة التي بعث بها النبي سليمان إليها وقومها يدعوهم فيها إلى الإسلام "ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين".
من مؤشرات الحكمة التي ظهرت على تصرفات الملكة صاحبة السلطان، والجاه أنها وصفت الرسالة بالكريمة، ولم تأخذها العزة بالإثم، وتصف الرسالة بما يقلل من شأنها، أو من شأن مرسلها، رغم أنها لا تعرفه من قبل، ولا تعلم هويته، ولا مقدار القوة التي توجد لديه، وهو يدعوها وقومها لدين ومعتقد يختلف عن دينهم الذي نشأوا عليه، وهذا التعامل العقلاني يكشف النضج، والحكمة، والدراية في إدارة الدولة الذي تتمتع به الملكة بلقيس مع أن قومها نظروا للأمر من منظار آخر، حيث أرادوا التعامل مع الموقف من منطلق القوة، حيث قالوا: "نحن أولو قوة وأولو بأس شديد" إذ إن مثل هذا الرد من الأتباع، أو المستشارين قد يدفع بحاكم مثلها إلى تبني لغة القوة، والمواجهة مع الخصم بدلاً من التفكير في طرق أخرى للتعامل مع الموقف.
وتتجلى حكمتها في رجوعها إلى قومها طالبة منهم الرأي، والمشورة، ولم تستأثر بالرأي والقرار "يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون" إذ إنها بهذا الفعل ترسخ مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار والاستفادة من رأي الآخر وعدم الاقتصار على الرأي الذاتي لكي تصل إلى قرار ناضج بدلاً من اتخاذ قرار قد تندم عليه، وتكون نتائجه كارثية.
لقد ذكرت نفسها، وقومها بما يمكن أن يحدث لو اختارت أسلوب الحرب، والمواجهة حين قالت: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" لن تكون نتيجة الحرب، والمواجهة سهلة، ولا هي بالنزهة، بل إنها كارثة، وأي كارثة، حيث خراب الديار، وإيراد أهلها موارد الذلة، والمهانة، هذا ما ردت به على قومها الذين اغتروا بالقوة، لقد كان اختيارها سلمياً، إذ رأت في الهبة وسيلة تتجنب بها ما قد يحل من ضياع للحكم وتشرد للشعب.
لو تأملنا في دلالات هذا الموقف من بلقيس مع رسالة النبي سليمان عليه السلام، وما ترتب عليها من نتائج إيجابية، وقارناها بأحداث حدثت في بعض الدول العربية، وما نجم عنها من حروب، وقتل، ومآس، وتشرد، وضياع سلطة، والمواجهة مع الشعب، ورفضا الخيار السلمي، بدلاً من تلبية المتطلبات المشروعة، وهو ما ينطبق فعلا على رئيس البطش بشار الأسد، وزعيم الطائفية المقيتة نوري المالكي.
سورية قتل من شعبها مئات الآلاف، وشرد الملايين، ودمرت المدن، وخرب الاقتصاد، وحلت الأمراض البدنية، والنفسية، والاجتماعية، وتفكك المجتمع، لماذا؟ لا لشيء إلا لأن غرور القوة والتسلط ساد وطغى على الحكمة، والعقل، وما تصرف المالكي الذي قال سنجعل بيننا، وبينهم بحرا من الدماء إلا شبيه في الأسباب، والمآلات، والنتائج بما وصلت إليه سورية فها هو العراق معرض للتفتت، والتشظي الاجتماعي لعدم حضور العقل والحكمة.
حاكم يستخدم كل أساليب البطش مع شعبه الذي يفترض أن يقاسمه الوطن، ويعيش في حرية وأمان، وآخر يفتح عقله للآخر ويتعامل معه تعاملاً حضارياً، وسلمياً ليعرف ما عنده، وعندما عرف ما عنده قبله واعتنقه، شتان بين العقليتين "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي