رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ماذا ننتظر من مصر؟

بعد أن وصلت اللعبة السياسية في مصر إلى مستوى مقبول حان الوقت لإعادة التنمية إلى المربع الأول. ما مرت به مصر في السنوات الثلاث الماضية كان بسبب تراكم عيوب صغيرة وكبيرة إلى أن وصلت الأمور إلى مرحلة حرجة، وكادت الأمور أن تصل إلى الأسوأ. تداركت المؤسسة الحاكمة الأمر وأعادت ترتيب البيت، لكن العيوب ما زالت موجودة. فالعيوب العميقة لن تختفي بالدرجة نفسها التي تتغير بها المنظومة السياسية العليا. حالة الوعي السياسي وإفرازاته شيء والعمل التنموي شيء آخر، لكنهما يلتقيان حين تصل العيوب لدرجة التحول. قدمت الدول الخليجية مساعدات سخية ومستحقة لمصر، لكن أثبتت التجارب أن المساعدات غالبا لا تكون عاملا حاسما في نجاح الدول، خاصة حين تثبت النخب أنها غير قادرة على إحداث نقلة نوعية. مصر في حاجة إلى نقلة نوعية محددة اقتصاديا. ذكر البنك المركزي المصري في أيار (مايو) الماضي أن النمو الاقتصادي أقل من نمو السكان، وبالتالي فإن دخل الفرد يتناقص. استوردت مصر 16.6 مليون طن من القمح كأكبر مستورد في العالم لعام 2013/2014 وبزيادة 20 في المائة على العام السابق. وليست الحالة المالية في وضع أفضل، حيث وصل الدين العام إلى 100 في المائة من الدخل القومي، كما أن عجز الميزانية يصل إلى 10 في المائة من الدخل القومي.
مصر تعاني عيوبا اقتصادية عميقة يساعد على حلها انفراج سياسي أولي، لكنه لا يكفي. التنمية الحقيقية تتطلب إعادة نسق ومصداقية العقد الاجتماعي. ولذلك حان الوقت لإعادة ترتيب البيت الداخلي من خلال إصلاح اقتصادي عميق. هناك ناحيتان يصعب لمصر إحداث اختراق حقيقي دون التعامل معهما معاً. الأولى دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، فحجم هذه المؤسسة يشكل نحو 30 ـ 35 في المائة من حجم الاقتصاد، وهذا حجم يتعدى المقبول ويحد من قدرة توزيع الاستثمارات والمصالح، خاصة أن الكثير من المساعدات الخارجية كانت تذهب للمؤسسة العسكرية. العلاقة البشرية بين المؤسسة العسكرية الحاكمة وهذه المؤسسات تخلق نخبة مصطنعة وليست ذات طابع تكافئي. الناحية الأخرى والمرتبطة بالأولى، ولكنها مختلفة، تأتي في فوضى الدعم في الاقتصاد المصري، فمصر تصرف ربع الميزانية على دعم الغذاء والوقود. نقصد بالفوضى أن الدعم يذهب للجميع المستحق وغير المستحق من ناحية وعالٍ قياساً على الموارد من ناحية أخرى، كذلك ويعزز فصل الإنتاج عن الاستهلاك من ناحية أخرى، خاصة في الوقود، لكنه يمتد إلى تسعير المواد الغذائية مثل الخبز. بدأت مصر بعض التعديلات المهمة في أسعار الوقود كبداية جيدة لعلها تستمر حتى تصل إلى الأهداف العميقة. هناك مسائل اقتصادية وبشرية أخرى، لكن نقطة البداية لا بد أن تكون القاعدة الاقتصادية صحية - متوازنة بين دورها في تحفيز الإنتاج من ناحية والعدالة الاجتماعية من ناحية أخرى. عدم وضوح الصورة لفئات كثيرة يؤثر في الواقع السياسي، وبالتالي يجعل القرار الاقتصادي أصعب.
أثناء الانتخابات تحدث السيسي بدرجة خفيفة عن هذه المسائل الشائكة، لكنه لم يقدم اقتراحات محددة، ولعل هذا مفهوم لما تتطلب الانتخابات منه دغدغة المشاعر العامة والبحث عن الشعبية، لكن الاستحقاق الانتخابي شيء والاستحقاق التنموي شيء آخر. حلحلة هذين العاملين ستوفر مالا فائضا للاستثمار وتحول الاقتصاد من حالة استهلاكية إلى حالة إنتاجية. ليس لدى مصر وقت طويل لإصلاح ما أفسده دهر من التقصير والتهرب من الاستحقاق التنموي.
النجاح التنموي لا يكفي أن يكون اقتصاديا فقط، لكن دون نجاح اقتصادي واضح لن تكون هناك تنمية. لكل مجتمع درجة من المرونة والصبر، لكن معايير اليوم لا تحدد في مصر، لكن سقف المنافسة يحدده. معايير اليوم يحددها مستوى كوريا الجنوبية وغيرها من الدول الطامحة، فليكن تحدي مصر أن تصل إلى نصف مستوى كوريا بعد عشر سنوات. تحدي مصر في عام 2014/2015 هو مدى وضوح وتنفيذ سياسة مصرية حول دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد وإدارة الدعم بما يخدم معادلة الإنتاج أكثر من معادلة الاستهلاك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي