رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إدارة المواهب وقفزات الأرباح

إدارة المواهب تطبيق جديد نسبياً راج في العقد الأخير بعد مجموعة من الدراسات قام بها باحثون وشركات استشارية كبرى مثل "ماكينزي آند كومباني" وغيرها. يتمحور هذا التطبيق حول تحسين الأداء بالتخطيط المسبق والاستفادة من العنصر البشري، وذلك باستقطاب ومواءمة القدرات والمواهب مع حاجات المنشأة وأهدافها. الجدير بالذكر أن مصطلح "المواهب" هنا لا يخص القدرات الاستثنائية أو الفنية/الرياضية مثلاً، إنما القدرات والإمكانات البشرية بكل أشكالها.
الدور الاستراتيجي لإدارة المواهب – خصوصا في استقطاب واستبقاء هذه المواهب – محوري جداً لنجاح أي منشأة، ولا بد للمدير الفطن أن يتنبه له ويتأكد من استيعاب أنظمة الموارد البشرية والأنظمة التقنية، إضافة إلى ثقافة قيادي المنشأة لممارسات إدارة المواهب.
استمراراً للدور الذي تقوم به مراكز الأبحاث في فهم وترويج أفضل الممارسات، قامت منظمة جالوب للأبحاث باستكشاف العلاقة بين بعض ممارسات إدارة المواهب وتحقيق قفزات مؤثرة في الأداء والأرباح. تتحدث الدراسة التي نشر ملخصها في "هارفارد بزنس ريفيو" عن تأثير مضاعَف وقوي؛ عن قفزة استثنائية إيجابية تحدث للأداء - الذي قد يكون إيجابياً في الأساس – وتساعد على تحسينه.
نظرت الدراسة إلى مجموعة من الممارسات المعروفة في إدارة المواهب وقيّمت علاقتها مع توليد الأرباح والمكاسب، حتى خلصت إلى أربع ممارسات يولد بعضها - منفردة - ما يعادل 30 من المائة من الأرباح، وتقفز مجتمعة بما يقارب من 60 في المائة من أرباح المنشأة.
لن تضطر إلى تخيل هذا التبرير المتكرر، لأنك قد سمعته في مكان عملك: "قدرات الموظفين لدينا لا تساعد على القيام بالعمل كما يجب!". فهو يحدث تقريباً في كل منشأة، خصوصاً تلك التي ترزح تحت وطأة الأجواء السلبية. لذا، كانت أولى النصائح التي تخرج بها الدراسة: ابحث عن المديرين الموهوبين بالفطرة. قدرة هؤلاء على تحفيز وإعادة خلق الأجواء الإيجابية تختلف عن غيرهم، وهم تحديداً من تحتاج إليهم المنشأة "لتبدأ" في إدارة المواهب وتقفز بأرباحها.
من الطبيعي أن نقول إن استقطاب الموظفين الموهوبين كذلك – وليس المديرين الموهوبين فقط – يقوي من قفزات الأرباح التي تحتاج إليها المنشأة. ولكن تكمن أهمية النصيحة هنا في أن عمليات التوظيف تقوم في العادة على معايير تقليدية مثل التأهيل الأكاديمي والمهارات الفنية والخبرة العملية، غير أن النظر في القدرات الشخصية والموهبة الطبيعية يرفع من فرص التنبؤ بالأداء، ما يعني قرارات أكثر سلاسة وتفادي للمخاطر والمفاجآت في أداء الموظفين.
أما النقطة الثالثة فهي تدور حول درجة ارتباط وحماس الموظف مع منشأته؛ القدرة على قياس درجة الارتباط تمكن الإدارة من معرفة إلى أي مدى يمكن للموظف أن يذهب بعطائه من أجل منشأته وعملائها. التركيز على نقاط القوى – الموجودة حالياً لدى كادر المنشأة – هو ما يتبقى من الممارسات الأربع للمضي قُدماً بقفزات الأداء والأرباح. أكدت دراسة جالوب ما سبقها من دراسات حول العلاقة الجوهرية بين التركيز على نقاط القوى لدى الموظفين وبين درجة الارتباط بالمنشأة وتحسن الأداء والاستقرار كذلك.
من أجمل الدراسات التي يمكن الاستفادة منها لاستيعاب تأثير أي تطبيق إداري، هي تلك الدراسات التي تربط بين القيمة – أو ما يمثل القيمة – وبين التطبيق نفسه؛ التي تقوم تحديداً باكتشاف العلاقة بين الممارسات والنتائج ومن ثم اختبار هذه العلاقة كما تحصل على أرض الواقع. هذا النوع من الدراسات الموجودة في شتى فروع الإدارة يختلف كثيراً في ارتباطه بالواقع وملاءمته للتحديات اليومية عن بقية الدراسات التنظيرية أو الوصفية أو التوجيهية. لذا على من يود التعرف على واقع المؤثرات المرتبطة بالنجاح البحث عن هذا النوع من الدراسات، تماما مثل دراسة جالوب التي استعرضها هنا باختصار شديد.
التركيز على هذه الممارسات الأربع وقياس وتقويم كيفية استغلالها باستمرار، إضافة إلى مواءمة ذلك مع استراتيجيات وسلوكيات الإدارة، هو ما يمكن من استغلال القدرات البشرية بالكيفية التي تحتاج إليها المنشأة.
حاجات المنشأة لا تتمثل في رغبات المديرين أو الثقافة التشغيلية/التوظيفية السائدة، إنما في تحديد أهداف المنشأة ومؤشرات الأداء ومحركات الأرباح الحقيقية. باختصار، نحن نتحدث هنا عن جانبين رئيسين: واقع المواهب وكيفية إدارتها من جانب، وأهداف المنشأة وتحسينات الأداء التي تحتاج إليها من جانب آخر. متى ما تمكنت الإدارة من فهم ومتابعة واتخاذ القرارات باعتبار هذه الأمور ثم حرصت على تطبيق إدارة المواهب كما يجب، قفزت الأرباح تبعاً لذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي