رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أما آن للفصائل الفلسطينية أن تتحول إلى فصيل واحد؟

شغلت القضية الفلسطينية العالمين العربي والإسلامي لأكثر من ستة عقود واحتلت المرتبة الأولى بين جميع قضاياهم، فهي بحق قضية كل فرد منا. وكنا طوال حياتنا نتمنى أن يفرِّج الله هم إخواننا هناك ويرد إليهم وطنهم المسلوب. ومضى الزمن وتعدَّدت السنوات والأمور تتحول من سيئ إلى أسوأ. ولم يربح خلال السنوات الماضية إلا الدولة المحتلة، فكل يوم يمر دون حلٍّ للقضية هو في صالح اليهود المعتدين. ومع صلابة ونضال وكفاح الشعب الفلسطيني المستمر والإصرار على المقاومة وعدم الاستسلام للأمر الواقع، إلا أن النتيجة كانت زيادة في رقعة الأرض المحتلة وقسطا كبيراً من الإذلال والإهانة وزج بالمواطنين داخل السجون. وبصرف النظر عما تحصل عليه دولة الاحتلال من حماية كاملة من دولة عظمى ومساعدات حربية واقتصادية كبيرة، فإن ذلك ليس هو السبب الحقيقي لفشل الشعب الفلسطيني في تحقيق أي مكاسب خلال تلك المدة الطويلة، وهو صاحب حق بشهادة كل المنصفين.
فعدم تمكن الشعب الفلسطيني من الانتصار على عدوه خلال أكثر من 60 عاما من النضال والمقاومة يعود بالدرجة الأولى إلى طبيعة أفراد الأمة الفلسطينية على وجه العموم. فعلى الرغم من حاجتهم إلى التكاتف والعمل كيدٍ واحدة وتحت راية واحدة وقيادة موحدة، تجدهم متفرقين فصائل وأحزابا، كل حزب ينتمي إلى جهة معينة، يدين لها ويتلقى مساعداته منها وربما يعمل لصالحها. وغالباً ما تتضارب المصالح ويتعادى الإخوان شر عداوة، فتتجه الحراب إلى نحورهم بدلاً من نحور العدو الجاثم على أرضهم ومقدراتهم. وكم سمعنا ورأينا كيف أن الإخوان يتقاتلون مع بعضهم في الشوارع المحاطة بجنود الاحتلال، وعلمنا كيف أن بعضهم كانوا يتجسسون على إخوانهم لصالح عدوهم فيتسببون في قتلهم بدم بارد بواسطة طائرات وصواريخ العدو، قاتله الله، وهو عمل من جانب الفلسطينيين لا يكاد يصدقه العقل.
وكنا نتألم عندما يرسل أحد الفصائل أحد رجاله ليقوم بعملية انتحارية داخل الأرض المحتلة ومن ثم يعلن مباشرة عن اسم وعنوان الرجل الذي قام بالعملية ويحدد مكان إقامته حتى لا يكلف سلطات الاحتلال عناء البحث عن بيته وذويه من أجل أن تهدم منزله وتنكل بأهله، كل ذلك خوفاً من أن يدعي فصيل آخر شرف القيام بالعملية، وهو ما يدل على عدم ثقة الفصائل بعضها ببعض رغم وحدة الهدف.
ونحن والله لا نريد ولا نقصد الشماتة بإخوان لنا في العروبة والإسلام والإنسانية، وعزيزين علينا لكونهم جزءا منا. ولكننا سئمنا ما يردده الإعلام عند ما يتحدث عن القضية الفلسطينية فيذكر كيف أن "الفصائل" الفلسطينية اتفقت أو لم تتفق على كذا وكذا، وأن الفصيل الفلاني يهدد بشن هجوم على فصيل آخر، في الوقت نفسه الذي عدوهم جاثم على أرضهم، يقتل أبناءهم ويحرق أشجارهم ويسجن صغيرهم وكبيرهم، وقطعان مهاجريه تضرب أطنابها في كل شبر من أرضهم.
اتقوا الله يا قوم بأنفسكم وبأجيالكم المقبلة. لا بارك الله في زعامة أو مراكز قيادة تؤدي إلى ما وصلتم إليه. كفى ما حققتم من فشل وهزائم أوصلت القضية الفلسطينية إلى ما تحت الحضيض. تعلموا هداكم الله من تجاربكم قبل فوات الأوان، واتركونا من الشعارات والمبادئ المتصادمة والمتناقضة التي أثبتت فشلها. أنتم اليوم أمة ذهبت ريحها وانفرط عقدها وتوارت شمسها ووليتم عدوكم ظهوركم وأقبل بعضكم ينهش لحم البعض الآخر، والعدو من ورائكم، يلتهم أرضكم شبرا شبرا. لا يهم اليوم منْ سيحرر أرضكم ويخلصكم من براثن الصهيونية إن كان اشتراكيا أو علمانيا أو أيا من الطوائف الأخرى. وبعد التحرير ــــ إن شاء الله ــــ كوِّنوا ما شئتم من الأحزاب والمنظمات.
أما في ظل الوضع الحاضر فمن المستحيل أن تحققوا ولو جزءا يسيرا من أهدافكم القومية وأنتم تتنازعون على سراب. أنتم الآن لا تملكون ولا حتى مساحة الأرض الصغيرة التي تعيشون فوقها، فالعدو يسيطر عليها سيطرة كاملة، يدخلها كلما شاء وكيفما شاء، ويغلق منافذها أغلب الأوقات زيادة في التنكيل.
يا إخواننا تعلموا من تجارب غيركم. الجزائريون طردوا فرنسا القوية من بلادهم شر طردة عند ما اتحدوا وجاهدوا تحت راية واحدة. وكذلك فعل الفيتناميون، هزموا قوة عظمى لأنهم كانوا على قلب رجل واحد. والأمثلة من التاريخ كثيرة. فلماذا كل فصيل يريد أن يكوِّن له جمهورية مستقلة عن باقي الرفاق على قطعة أرض لا تتسع لاثنين؟
لقد وصل بكم الأمر إلى درجة من العداوة بين الإخوان لا تليق بأمة كريمة عاشت وترعرعت على هذه الأرض المباركة. من يصدِّق أن شعباً يُطرد من أرضه ووطنه ويتربص به أشرس عدوٍّ عرفه التاريخ، ويحدث أن يلجأ أفراد منه إلى عدوهم طلباً للأمان عنده خوفاً من بطش إخوانهم وأبناء عشيرتهم؟ أليس ذلك أفضل ما يتمناه العدو؟
أين أولو الألباب منكم، ونحن نعلم أن فيكم، داخل وخارج فلسطين، رجالا يتميزون على كثير من الأمم برجاحة العقل والذكاء والحنكة والخبرة وحسن القيادة؟ وهل نسيتم قول الشاعر الحكيم الذي تعلمناه في صف ثاني ابتدائي؟

تأبى الرماح إذا اجتمعنا تكسراً
وإذا تفرقت تكسرت أفرادا

وليس أدل على فشل سياساتكم ومقاومتكم الهزيلة من انصراف العالم عن قضيتكم رغم عدالتها، لأنهم لا يرون فائدة من التعامل مع فصيل دون الآخر أو الآخرين، وأن أي مساعدة مادية ربما تستخدم ضد بعضكم البعض، وليس لمقاومة الغاصب المحتل.
يا زعماء الفصائل ويا قياديِّ الحركات اذهبوا إلى شأنكم واتركوا المخلصين من أبناء شعبكم يكوِّنون قيادة موحدة من أجل مواجهة صلف وعدوانية العدو، لعلها تستطيع أن تحافظ على ما تبقى من أرض فلسطين قبل أن يكتسحها المستوطنون وأنتم لاهون بمحاربة بعضكم بعضا. وثقوا أن العدو إذا استيقن أن الشعب الفلسطيني كله أصبح تحت قيادة واحدة، فإنه لا محالة سيتراجع صلفه وتختفي عنجهيته ويعود إلى رشده ليفاوض القيادة الفلسطينية الجديدة ولو على الحد الأدنى من مسائل الخلاف. فهل أنتم فاعلون؟
القرآن الكريم يصف اليهود بأنهم ليسوا على قلب رجل واحد، "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى"، ولكن اختلافكم جمعهم عليكم. عودوا إلى رشدكم واتركوا أمر ومصير الشعب الفلسطيني لتقوده أيد أمينة ليس لها هدف إلا تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني، وليس من بينها منْ هم الآن على رأس سلطة أو حركة أو فصيل. الشعب الفلسطيني في حاجة اليوم إلى دماء جديدة. وثقوا أن القضية الفلسطينية لن تنحل بالحرب وحدها ولا بالمفاوضات وحدها، ولكن بالمفاوضات والمقاومة معاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي