رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هدر الطاقة وتضييق أعمال المراجعة الداخلية في «سابك»

في تقريرها السنوي للاستدامة عن عام 2013، وضعت شركة سابك صورة رائعة تمثل موظفا وهو يحمل طفلا ثم صورة أخرى تمثل ألواحا للطاقة الشمسية، وكما افتتح التقرير بكلمة لرئيس مجلس إدارة الشركة يؤكد فيها التزامها للأجيال القادمة، وقد اختارت سابك عبارة "خلق قيمة دائمة"Creating lasting Value عنوانا للتقرير الذي لم يتم اختياره عبثا، فهذا العنوان يمثل اتجاها حديثا في إدارة المنظمات نحو خلق القيمة - أو قل الثروة - ليس فقط للمساهمين، بل لجميع المهتمين بالشركة Stakeholders، وهنا سأقتبس عبارة رائعة وردت في التقرير: "يتمثل جوهر الاستدامة في مواصلة إيجاد القيمة لمستقبل أجيالنا، اعتمادا على الاستخدام الأمثل والفعال للموارد المتاحة في الوقت الراهن"، عندما تقرأ هذه العبارة في هذا التقرير الذي جاء باللغتين الإنجليزية والعربية تشعر بأن
سابك فوق مستوى المراهنة في مجال استخدام الطاقة، خاصة بعد استخدامها المتكرر لعبارة "الاستخدام الأمثل للطاقة"، لكن هذا "الحلم" الذي خلقته سابك لنا - بدلا من القيمة - ينهار عندما نستيقظ على حقيقة تقرير آخر أصدرته صحيفة "الاقتصادية" يوضح الأداء الفعلي لشركة سابك في استهلاك الطاقة (أو قل في استهلاك المستقبل)، وجاءت نتائجه مخيفة جدا، ليس على مستوى سابك فقط، بل على مستوى الاقتصاد الوطني ككل، وأثار أسئلة ليس أقلها ماذا تفعل سابك بمستقبل الأجيال والصناعة والاقتصاد الوطني؟ وهذا القلق يزداد عندما تشير الاقتصادية إلى أنها اتصلت على سابك لتوضيح الأمر لكن سابك لا ترد.
لن أعود لأكرر التفاصيل المؤلمة والخطيرة التي ذكرها التقرير فيمكن العودة لها في عدد "الاقتصادية" الصادر يوم الثلاثاء 1 تموز (يوليو) 2014، ولكن سأذكر لكم أخطر تلك المعلومات، فالدولة تقدم أسعارا تحفيزية للقيم المستخدم من قبل شركة سابك، حيث يباع للشركة بأقل من متوسط سعره عالميا بنحو 93 في المائة. كما تحصل على دعم الكهرباء، حيث يباع سعر الكيلو واط في المملكة بأقل من متوسط تكلفته عالميا بنحو 81 في المائة. وقد جاء في تقرير مجلس إدارة سابك لعام 2013 أن مشترياتها من الخامات المحلية وهي اللقيم والكهرباء والماء بلغت 38 مليار ريال في 2013، وذلك بالطبع وفقا للأسعار المدعومة، وهذه المشتريات (بهذه الأسعار المدعومة جدا) تمثل نحو 20 في المائة من قيمة مبيعات الشركة، و69 في المائة من قيمة إجمالي ربحها، و90 في المائة من قيمة دخلها من العمليات الرئيسة. وهذا معناه وباختصار أنه لو تم رفع الأسعار قليلا أو رفع الدعم نهائيا فإن سابك ستحقق خسائر بلا أدنى شك، فأين القيمة الدائمة يا سابك، وأين الاستدامة من هذا، وأين الأجيال والمستقبل؟ لا يمكن القول أبداً إن
سابك والاقتصاد السعودي يربحان وهذه هي الحال ونحن نهدر كل هذه الطاقة، - بحجة أنها رخيصة ولا شيء مقلق.
أعرف أن سابك تدرك أننا نعاني فرط استخدام الطاقة حتى حد الهدر، ولو استمر حالنا بهذا الشكل فسنستهلك كل ما ننتجه، ولن يتبقى لنا ما نبيعه وهذا معناه الموت الاقتصادي ولا بد من حل عاجل. وأول تلك الحلول هو العمل على رفع كفاءة استخدام الطاقة في كل مناحي الحياة، وليس التباهي بهدرها، وإيهام المجتمع بالربح المحاسبي فقط، بينما نحن نخسر على مستوى الربح الاقتصادي.
وإذا كنت أعتب على إدارة سابك كل هذا الهدر وهذه الممارسات في إدارة الربح والإخلال بالإفصاح الجوهري، فإن كل عتبي ينصب على إدارة المراجعة الداخلية فيها برغم أنها تضم نخبة من ألمع خبراء المراجعة الداخلية في المملكة، لقد كان عليهم عدم السماح بمثل هذا أن يحدث في شركة بحجم سابك، أو التصريح بهذا المستوى من الهدر في الطاقة وذلك أضعف الإيمان، ولا أريد أن أشكك في استقلال إدارة المراجعة الداخلية هناك وهي تضم هذا الحشد من الخبراء لكن يبدو واضحا وفقا لتقرير مجلس إدارة سابك عن عام 2013 أنه حصر دورها في تقييم نظم الرقابة، مع إهمال لموضوع مراجعة الأداء، وتقويم مستويات الكفاءة والفعالية في الشركة.
فإذا كانت سابك تدعي الفعالية في أعمالها وأنها حققت أرباحا محاسبية بلغت أكثر من 25 مليارا لعام 2013، فإنها حققتها مع مستويات ضعيفة جدا، بل هزيلة من الكفاءة في استخدام الموارد، فالفعالية (التي تعني تحقيق الأهداف) لا تكفي وحدها، والكفاءة (حفظ الموارد من الهدر) وحدها لا تنفع فلا بد من الأمرين، يجب أن نحقق الأهداف (الفاعلية) بأفضل استخدام للموارد (الكفاءة)، وهذا ميزان دقيق للغاية وتحدٍّ يجب أن تعود إليه سابك؛ وذلك بقوة المراجعة الداخلية لأداء العمليات، فإذا كانت سابك تربح "محاسبيا" بفضل الدعم الحكومي الهائل، فإنها "تخسر" (عند هذا المستوى من الكفاءة) مقارنة بالشركات العالمية التي تحقق أرباحا هائلة وهي التي لم تحظ بربع الدعم الذي حصلت عليه سابك.
وتبقى التقارير المحاسبية رهينة بعمليات إلكترونية يقوم بمراجعتها مختصون من شركات مراجعة عالمية فماذا بقي من مهام إدارة المراجعة الداخلية سوى تقويم أداء شركة سابك والمخاطر وأنظمة الرقابة ذات العلاقة بالأداء والتقرير بكل جرأة، وهذا هو فيصل الأمر في جودة أعمال المراجعة الداخلية بشكل عام وفي سابك على وجه الخصوص، أي اكتشاف الخلل في كفاءة وفاعلية كل العمليات والتقرير عنه. ولعل أكبر خطر يواجه سابك اليوم هو هذا الهدر في استغلال الموارد، فلو تم تعديل أسعار اللقيم والكهرباء والغاز لتغيرت أحوال
سابك وموظفيها تماما، ولا نعرف بالضبط إلى أين ستذهب بالاقتصاد السعودي والسوق المالية. هذا الخطر المحدق فعلا هو الذي يجب أن تنطلق منه عمليات المراجعة الداخلية في الشركة، ولا بد لها من تحديد أين يتم هذا الهدر، وكيف استطاعت الشركات العالمية الحد منه، هل هو في المصانع والآلات والدورة الإنتاجية، أم التركيب والخليط الكيميائي، أم فقط في منتجات تالفة ضائعة، أم إهمال في الإجراءات وعدم وجود ضوابط واضحة في استخدام الطاقة؟ قد تحتاج إدارة المراجعة الداخلية إلى الاستعانة بشركات عالمية لتقويم الوضع، ومختصين ومهندسين، وأن تستخدم معايير عالمية في ذلك.
وخلاصة القول إن إدارة المراجعة الداخلية تعتبر خط الدفاع الثالث لحماية الشركة وتحقيق أهدافها وخططها في الاستدامة ورؤيتها لعام 2025، ولن يتحقق ذلك ما لم تتحرر إدارة المراجعة الداخلية في سابك من قيود تبدو واضحة في نطاق الأعمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي