لماذا يهرب المسلمون من «بطش» بعض المسلمين؟
في آخر اتصال لي مع دائرة الهجرة في السويد ظهر أن هناك ما يشبه هروبا جماعيا من بعض الدول العربية والإسلامية لا سيما في الشرق الأوسط، وأنه رغم الإجراءات الإحترازية الشديدة لمنع اللاجئين من الوصول إلى السويد فإن أعدادهم في ازدياد مضطرد.
مصدر في دائرة الهجرة قال يصل السويد اليوم وبطريقة غير شرعية أكثر من ألفي لاجئ في الأسبوع الواحد أغلبهم من العرب والمسلمين الذين ضاقت الدنيا بهم فولوا هاربين على وجوههم من بلدان ومجتمعات كان الأولى بها أن تحميهم بدلا من اضطهادهم.
والأعداد هذه كبيرة جدا لأنه في المحصلة تعني أن هناك في أقل تقدير أربعة أشخاص آخرين سيصلون السويد في نهاية المطاف لكل لاجئ يحصل على إقامة دائمة ـــــ وهي حلم الوافدين لأن الإقامة تجعل منهم مواطنين لهم الحقوق والواجبات ذاتها شأنهم شأن السويديين ومن حقهم جلب زوجاتهم أو أزواجهم وأولادهم الذين لم يبلغوا 18.
اليوم قلما تمر في شارع أو تزور مصنعا أو مستشفى أو جامعة أو مدرسة أو محلا في السويد إلا وتلتقي بعربي أو مسلم. هذا بلد يمنح الحرية الثقافية واللغوية والدينية والمذهبية كاملة غير منقوصة لكل أفراد المجتمع ضمن القوانين المرعية فيه باختلاف توجهاتهم الجنسية أو العرقية أو الدينية وغيرها.
في العام الماضي فقط وصل عدد المهاجرين إلى السويد بعد لمّ شمل العائلات إلى أكثر من 225 ألف شخص، والغالبية الساحقة منهم مسلمون.
بطبيعة الحال الوصول إلى السويد بطريقة غير شرعية ليس أمرا سهلا على الإطلاق. نسمع من لاجئين وصلوا قبل فترة وجيزة قصصا مروّعة لما مروا به قبل وصولهم هنا، ونسمع من آخرين عن عائلات تاهت في أعالي الجبال أو غرقت في البحار وصارت أثرا بعد عين.
ونسمع عن تحايل المهربين، وعن مبالغ دُفعت على أمل الوصول إلى السويد، ولكن سرعان ما اختفى المهرب ومعه المال، أي صارت الكارثة كارثتين، حيث يفقد المرء كل ما يملكه من مال دون تحقيق رغبته في الوصول إلى السويد ويصبح في العراء كلاجئ لا مأوى ولا مال.
ولكن يبقى السؤال المهم والمحير في عنوان رسالة اليوم دون جواب شاف. إنه سؤال محير لأنه أساسا لا يجوز شرعا لمسلم اضطهاد مسلم آخر أو لمجموعة مسلمة اضطهاد مجموعة أخرى لاختلاف التوجه والفكر. إلا أن الوضع الحالي يشير إلى كوارث رهيبة، حيث نرى في الكثير من الدول والمناطق العربية والإسلامية، لا سيما الشرق أوسطية منها، أن الكل يضطهد الكل وأن الكل يقتل الكل.
واليوم نرى أن شعوبا بملايينها هي في حال هروب وصار الكل تقريبا لاجئا في وطنه أو خارجه. والسؤال المحير في عنوان المقال يولد أسئلة فرعية محيرة أخرى أضعها هنا عسى ولعل يساعدنا القراء في الإجابة عليها أو قد يسمح لنا الزمن أن نعرج عليها في مقالات قادمة:
- لماذا تفتح السويد ذراعيها لقبول أعداد كبيرة من العرب والمسلمين الهاربين من الجحيم الذي خلقته بعض الأنظمة والمجاميع في مواطنهم الأصلية؟
- لماذا يعيش مئات الآلاف من العرب والمسلمين ـــــ سنة وشيعة وفرق أخرى ـــــ بأمان وسلام في السويد مع بعضهم بعضا ومع المجتمع المدني العلماني اللاديني الذي احتضنهم ولا يستطيعون ذلك في المجتمعات التي ولدوا وترعرعوا فيها؟
- لماذا لا تقوم أي دولة عربية أو إسلامية بمنح اللاجئين من العرب والمسلمين الرعاية ذاتها والامتيازات التي تقدمها دولة علمانية مدنية لا دينية مثل السويد؟
- لماذا تزدهر الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية باختلاف توجهاتها وكتبها ونصوصها في السويد بينما يفتك بعضها ببعض في دول ومجتمعات شرق أوسطية إلى درجة أن بعض الأقليات التي صار لها أكثر من ألفي سنة منذ نشأتها هي في طريقها إلى الانقراض هناك؟
- هل وصلنا إلى مرحلة صارت فيها العلمانية والمدنية واللادينية من حيث التعامل مع مجتمعاتها وناسها أكثر تسامحا وأكثر إدراكا واحتراما وممارسة للبعد الإنساني والأخلاقي من المجتمعات والدول التي تقول إن ما لها من فكر وعقيدة مصدره السماء؟