رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


فاطمة: أرجو أن أكتمل في رمضان

رمضانيات - 1
سليم الطرابلسي - الاسم مستعار- على مشارف الثمانين، هائل القامة، أبيض الشعر الكثيف الذي يبدأ من نصف جبهته ببياضٍ جليدي كامل، بشرته حمراء مشربة ببياض عميق باهت، ساقط الرأس، فجمجمته الكبيرة تكاد أن تلتصق بالكتفين مباشرة وكأنه لا رقبة بينهما. كنت جالسا أقرأ أنتظر أخي ومن معه في ميدان صغير بماكاتي من مناطق مانيلا الكبرى، وتوجهت فجأة عينانا وبسرعة ألقى السلام بالعربية، ثم رددت عليه، فأخذ زجاجة مشروبه وتقدم لي وبفمه سيجار عريض ملتصق بشفتين كبيرتين متدلية الشفة السفلى، كان لبقا فاستأذن بإنجليزية صريحة هذه المرة إن كان له أن يجلس معي، وتعرف علي من لقاء في حفل دبلوماسي أقامته السفارة السعودية منذ زمن، فرحبت به بشرط ألا يجلب زجاجة المشروب.
المهم كان حديث الرجل طليا ثم أخذنا الحديث لسيرته، فهو واحد من الأثرياء وأعماله واسعة ورثها من أبيه الذي قدم في عام 1920م من طرابلس في لبنان وبدأ أعماله، ولم يعد أبدا للبنان ودفن بالفلبين وخلف سليما هذا الذي معي. قصة سليم مؤثرة، وكان يبكي أثناء الحديث، غير أني سأترك قصة السيد الطرابلسي للمرة القادمة، لأنه دلني على فاطمة التي أصر علي أن أزورها في دكانها الصغير في سوق تجارية صغيرة.
فاطمة كان اسمها "رفيلا روزاريو" تبدو هزيلة صفراء متواضعة الملامح ولكن بقلب من فولاذ. دخلت الإسلام بسبب كتابٍ وقع بيدها لرحالةٍ إسباني كتبه عن منطقة منديناو جنوب جزر الفلبين، لما كانت كلها منطقة إسلامية بالكامل، وذلك في القرن التاسع عشر. وكان طبيعيا أن يتحدث الرحالة الإسباني "إسبارانو" عن الإسلام وطبيعة المسلمين.. وبالذات ما نقله عن شيخ حضرمي أسماه مولانا رجب بلباس - وربما كتبه الإسباني حسب نطقه - بعدة صفحات عن الإسلام ومعانيه، وكيفية انتشار الإسلام ووصوله للمناطق البعيدة في شرق آسيا.
فاطمة الكاثوليكية أعجبت بما قاله الشيخ "رجب" عن الإسلام، وبدأت تبحث عن الإسلام، واتصلت بالمكتب الإسلامي، ثم أعلنت إسلامها قبل نهاية سنتها الأولى من الاتصال بالمكتب.
الذي حدث فيما بعد، أن أهلها طردوها وهي لم تنه المرحلة الثانوية بعد، فقد كان أبوها كنَسِيّاً متنطعاً، وقوطعت في قريتها، فرحلت لمانيلا هربا من الجميع.
صارت فاطمة من مشردي الشوارع فعلا حتى التقت برجل الأعمال المسلم الفلبيني من أصل لبناني سليم الطرابلسي، فعلمها كيف تدير عملا خاصا بها دون أن يعطيها بيزو واحداً، وصار عندها الآن محل صغير ناجح جعلها تستطيع أن تستأجر شقة صغيرة، وتسجل نفسها في الجامعة وقد أنهت الماجستير في رياضيات التسويق.. ما شاء الله.
فاطمة تريد أن تضع الحجابَ وترتدي زيا إسلاميا وهي تقول: "إني لم أملك هذه الإرادة بعد لكني وعدتُ نفسي أن أتفرغ للعبادة كل رمضان، وألا يخرج رمضان إلا وقد خرجتُ - بإذن الله - وقد اكتملت ما استطعت بواجباتي الدينية".
فاطمة واجهت الفظائع وتحدّتها من أجل ما تؤمن به. فما الذي يدعوني ألاّ أقتنع أنها ستفعل؟
أما عن "سليم"، والذي رغم ثرائه أخبرني شيئاً عن قصته وهو يبكي. فبينما اهتدت فاطمة روحياً، ضاع سليمٌ روحياً.
لماذا بكى سليم الطرابلسي؟ قصة تستحق أن تروى في لقائي الرمضاني القادم معكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي