وسائل الإعلام.. الترفيه أم بناء الفرد؟

لا أعتقد أن اثنين من العقلاء يختلفان في أن الهدف الرئيس من وسائل الإعلام هو الإسهام في تربية النشء وإعدادهم للحياة، بجانب ما تقوم به مؤسسات المجتمع الأخرى كالمنزل، والمدرسة والنادي، وأي مؤسسة اجتماعية أخرى. والتنشئة المطلوبة تستهدف العقل في معرفته، وطريقة التفكير، وإدراك الأمور وتحليل القضايا سواء كانت فردية أو محلية أو عالمية، ولا سيما في زمن يتسم بسرعة التغيرات، وتضاعف المعارف، وتواصل الشعوب والثقافات.
هل تسهم وسائل الإعلام في تحقيق الهدف الذي أوجدت من أجله أم أنها تنجح أحياناً وتخفق أخرى؟! لا يمكن الحكم بالإطلاق على كل وسائل الإعلام، كما لا يمكن الحكم على كل المواد الإعلامية بأنها جيدة أو رديئة، إذ تتباين فيما بينها وتختلف من وقت إلى آخر ومن مادة إعلامية إلى أخرى.
المحك فيما أعتقد هو مدى ارتباط المادة الإعلامية بثوابت المجتمع، ومصالحه العليا، التي يفترض أن تكون أساس السياسة الإعلامية وأساس الممارسة. تأملت في بعض المواد الإعلامية التي تبثها بعض وسائل الإعلام من إذاعات وفضائيات كالأفلام، والبرامج الحوارية والتفاعلية، فألفيت أن بعضها يغلب عليه بث مواد لا تسهم في بث الوعي، ولا في بناء منظومة القيم والأخلاق التي يفترض أن يتحلى بها الفرد، وبما يتوافق مع منظومة المجتمع الثقافية، ولا تسهم في صقل مهارات التفكير، ولا في استثارة الهمم.
من متابعة لبعض المواد الإعلامية لمست أن الغالب عليها هو الجانب الترفيهي، والترفيه أمر محمود ومطلوب لكسر روتين الحياة المليئة بالمشاق والمتاعب، وهذا من شأنه إعادة النشاط والحيوية للفرد ليعود لعمله وهو أكثر همة ورغبة للإنجاز، كما أن من شأن الترفيه إعادة الحيوية للذهن ليكون أكثر تركيزا وقدرة على التفكير النشط.
لكن السؤال المهم في هذا الموضوع: ما طبيعة مواد الترفيه وكم نسبتها إلى المواد الأخرى التي يستقبلها المشاهد والوقت الذي يجب أن يعطى لها؟
بعض المسلسلات طابعها العام الترفيه لكن لو تأملنا في محتواها والقضية التي تتناولها لألفينا أنه موضوع يسهم في خلخلة القيم التي يجب تثبيتها وغرسها في أبناء الوطن بهدف إيجاد نسق اجتماعي تمتد جذوره إلى الثوابت، فعلى سبيل المثال المسلسلات التي تعرض صراع الأجيال بين الآباء والأبناء وإظهار التمرد على قيم المجتمع بأنه صورة من صور التحرر واستقلالية الشخصية، ومثل هذه الأفلام والمسلسلات ما أكثرها، فهل الترفيه والضحك هو الهدف دون أخذه في الاعتبار الآثار الناجمة عن التصادم مع المجتمع والتفكك الأسري، أم أن وحدة المجتمع وتماسكه أهم وأولى في المحافظة عليها؟
ما من شك أن وحدة المجتمع وتماسكه والمحافظة على مكتسباته لا تتحقق ما لم يكن هناك ثوابت يلتقي عليها الجميع ويسعون للمحافظة عليها ويعتبرونها الجزء الذي إذا افتقد يختل توازن المجتمع، ولذا فمسؤولية القائمين على مؤسسات الإنتاج، والمؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة تقديم مصلحة المجتمع العليا بدلاً من المصلحة الخاصة التي قد تتحقق من خلال مواد الترفيه.
إن انتقاء مواد إعلامية جادة وذات بعد تاريخي وفكري تخلق أجيالا جادين وذوي طموح عال ينتقل بهم من حالة الركود إلى وضع الحيوية والتطلع للمكتسبات الرفيعة. ما أحوجنا وأحوج أمتنا للبرامج الجادة التي تربي النشء على الأخلاق الفاضلة والرفيعة ليكون في رصيد وسائل الإعلام هذه ما يذكر لها في وقت أحوج ما تكون الأمة لمثل هذا والمصائب والنكبات تحيط بها من كل جانب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي