المخاطر على النظام المصرفي السعودي
على الرغم من صعوبة الحصول على المعلومات بسبب ضعف الشفافية وسياسة مؤسسة النقد في التنظيم من مسافة في الإشراف على القطاع المصرفي إلا منه، من الواضح أن القطاع المصرفي حقق خسائر موجعة بسبب الأزمة المالية العالمية، جاءت هذه الخسائر بالرغم من الظروف الاستثنائية الجيدة في المملكة أثناء الأزمة. لو قدر أن أتت الخسائر في ظروف مختلة لكانت كارثية على الوضع المالي والاقتصادي. المخاطر في القطاع المصرفي دائماً عالية ولذلك علينا الوعي والاستعداد. المخاطر بعضها مرتبط بالطبيعة البشرية من طمع أو فساد أو إهمال (هناك أمثلة محددة على عدم الكفاءة والتغاضي عنها أحيانا) وبعضها مرتبط بالحالة التنظيمية ومدى حيويتها وتجربتها وسلطاتها وكفاءتها (لاحظ تجربة المؤسسة مع شركات التأمين وقبلها القروض الشخصية وتأكل سياسة التوطين) وبعضها مرتبط بظروف مالية واقتصادية أكبر من قدرة القطاع (تجربة المملكة في الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي).
تشكل موجودات القطاع حوالي نصف حجم الدخل الإجمالي للمملكة بنهاية عام 2012، كما أن حجم الموجودات يشكل أكثر من 95 في المائة من حجم النشاطات المالية مما يجعل القطاع المصرفي جل القطاع المالي (تختلف هذه النسب بين الدول ودور المصارف). المخاطر ومصادرها كثيرة، سوف أكتفي بأربع مهمة. المخاطرة التنظيمية، فمن ناحية تاريخية تأخذ مؤسسة النقد بدور المنظم المبتعد والذي بدورة أخذ شكلين: الأول يتمخض في عدم الرتابة، فتجد درجة من التناسق المبتعد في القطاع المصرفي، ولكن تجد درجة من الفوضى في قطاع التأمين، ثانيا أتت شركات التمويل العقاري والاستهلاكي والتي سوف تضغط حتما على كفاءة الجهاز الرقابي بشريا وفنيا، فمثلا هناك مخاطر من توسع هذه المؤسسات إقراضيا بينما تعتمد على ودائع قصيرة الأجل أو رأسمال قد يظهر كافيا لحين الاختبار الحقيقي (تقليل دور المصارف تدريجياً).
المخاطرة الثانية مرتبطة بالأولى ولكنها تأخذ طابعا ثقافيا بيروقراطيا فريدا، حيث أصبح القطاع يعتمد على "الشللية المغلقة " فمثلا هناك مصرفان كبيران كل منهما يدار من شخص واحد منذ سنوات طويلة اسميا تحت مظلة مجلس الإدارة، وفعليا تحت وصاية حكومية بالرغم من ملكية الحكومة غير الحاسمة. هناك توجه لتكريس هذا النموذج لمصرفين آخرين. مع الوقت تدار هذه المؤسسات المهمة بهرمية لا تخدم أحدا سوى من يدين بالولاء الكامل للوكيل. هذا النمط الإداري يحمل مخاطرة معروفة تمتد من تكريس عدم الكفاءة والخوف من الإبداع إلى الخوف من الشخص الكفء، إلى الاعتماد على العناصر غير الوطنية تحت حجج كثيرة إلى النزعة البشرية للتغاضي عن كل أنواع التقصير، إلى فقدان العدالة المجتمعية. هذه العقلية لا تخدم حيوية القطاع أو الاقتصاد.
المخاطرة الثالثة تأتي في الاستهانة بالنظرة الشاملة للمخاطر العامة systemic، جرت العادة على تقييم المخاطر وحتى اختبارات الإجهاد وكأننا مؤسسات تعمل في اقتصاد حديث وليس ناشئا معتمدا على سلعة واحدة وقطاع حاسم. حالنا يتطلب رأسمال أكثر وحرصا رقابيا أدق، وتلمس أكثر للمخاطر الأقل احتمالا ولكنها أكثر ضررا، فمثلا تقوم المملكة على انفتاح التحويلات المالية؛ ما مدى استمرار هذه السياسة في الأوقات الحرجة؟ وما الآليات المتبعة للحد من نزيف مالي قاتل في الوقت الخطأ؟ مثال آخر هل هناك تسرب مالي من القطاعات "المنظمة والرسمية" لقطاعات تحت الرادار؟
المخاطرة الرابعة تأتي من وجود المصارف في الخارج وخاصة في الدول الأنشط رقابيا مثل أمريكا حيث الغرامات المصرفية عالية جدا وأحيانا ذات علاقة بالحيثيات والممارسات المختلفة بين هذه البلدان والمملكة. تقوم الصناعة المصرفية والمالية بدور الرابط الأساسي بين الاقتصاد وعملية صنع القرار في مؤسسة النقد والجهات المالية والاقتصادية الفاعلة، لذلك لابد من تبويب المخاطر ورسم سيناريوهات للأسوأ والتفكير في التعامل معها. ولكن هذا يصعب في ظل الأدوار المتعددة وأحياناً المتناقضة لمؤسسة النقد وهذا موضوع آخر.