رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العمل الخيري ومنحنى التعلم

كل ريال نتبرع به للبرامج الخيرية خلال هذا الشهر يذهب جزء منه لتطوير أداء العمل الخيري، على الأقل من الناحية النظرية. عندما تحصل المؤسسة على موارد أكثر من غيرها نتوقع أن يتحسن أداؤها في الموسم المقبل، لأن المزيد من الحركة تعني المزيد من الخبرة والمعرفة. ربط التعلم في العمل الخيري بالذروة الموسمية يجعلنا نتساءل عما إذا كانت المواسم تُستغل كما يجب لتحسين الأثر الذي يصنعه القطاع الخيري.
تتحقق ذروة العمل الخيري في شهر رمضان، خصوصا من الناحية الميدانية وفي المجالين الثقافي والاستهلاكي. إذا نظرنا إلى مراحل إنجاز العمل الخيري سنلاحظ خلال شهر رمضان وربما قبله ببضعة أسابيع نشاطا تسويقيا ملحوظا للمؤسسات الخيرية، يتبعه ظهور مكثف للمستفيدين والمتبرعين يتجدد فيه التواصل بين المؤسسات الخيرية وهذه الأطراف. وتنشط كذلك خلال هذه الفترة البرامج الخيرية الموسمية - مثل موائد الإفطار أو الصدقات السنوية - ترافقها حركة شراء وبيع وتوزيع واستهلاك تقوم بها عدة أطراف مختلفة.
يمكننا النظر إلى التعلم الذي يمكن أن يحصل في النشاط الخيري من محورين مختلفين: التعلم داخل المؤسسة والتعلم خارجها. المؤسسة التي تهتم بالتعلم تستثمر داخلياً وخارجياً في أسلوب ومقدار وجودة المعرفة المكتسبة. جزء من الأموال والجهود التي تقوم عليها الأعمال الخيرية يجب أن يتم تسخيرها في التعلم الذي يحسن الأداء ويحفز الاستدامة. لذا، لا بد أن يشمل التخطيط للموسم الرمضاني إعداد فريق العمل للتعلم الجيد والمستمر. أذكر هنا بضع نقاط ينبغي أخذها في الاعتبار عند ممارسة وإدارة هذه الأنشطة المجتمعية المهمة.
أولاً، يجب عدم التنازل عن التوثيق الجيد للإجراءات الاعتيادية والحالات الاستثنائية بطريقة منتظمة يسهل الرجوع لها. التوثيق في العمل المؤسسي خطوة ضرورية لفهم ما حصل وإزالة الضبابية عن الذي قد يحصل خلال أداء العمل. للتوثيق أهمية استثنائية عند تغيير أفراد فريق العمل، حينها تظهر الفوارق بين العمل العشوائي والعمل المؤسسي. وبالتأكيد لا بد من مراعاة التغيرات التقنية والاستفادة منها؛ يمكن اليوم وبكل بساطة استخدام برامج "الويب" للتوثيق والمراجعة والإشراف بطريقة مباشرة وآنية.
ثانياً، لابد من تقييم العلاقات مع الأطراف الأخرى وإخضاعها لآليات التعلم الممكنة، خصوصاً الشراكات الاستراتيجيات مع الأفراد المتعاونين والجهات الداعمة والمؤسسات الخيرية الزميلة. هنا بالذات تكمن فرصة الاستفادة من الإمكانيات المتاحة بتوحيد آلية مشاركة المعلومات ونقل المعرفة وتبادل التقارير والاستفادة من غرف العمليات المشتركة وتعاون فرق العمل.
ثالثاً، نشر ثقافة التعلم من قاعدة العمل إلى أعلى مستوى في المؤسسة الخيرية. التعلم مطلب وضرورة للممارسين الميدانيين ولأمناء المؤسسة الخيرية على السواء، ولكل من يعمل بينهم بكل تأكيد. عدم إيمان أي طرف من هذه الأطراف بمسؤولياته تجاه نقل المعرفة يعني انقطاع حبل التعلم، حينها تتحول التجارب الجديدة من فرص للنمو إلى مجرد بدايات جديدة كل مرة. حتى الأطراف الخارجية -كالمستفيد مثلاً- بحاجة إلى فهم أهمية التعلم عند المؤسسة التي يستفيد منها، فهذا يرفع من فعالية تواصله ويسهل أداء المؤسسة الخيرية لمهامها.
رابعاً، تحديد الأولويات المعرفية الخاصة بالمؤسسة الخيرية، بحيث تتوجه جهود المشاركين نحو مكتسبات محددة ترتبط بأهداف المؤسسة وفي نفس الوقت تُمكّن من تصميم البرامج والآليات بطرق فعالة ومؤثرة. من المحاور المعرفية التي تركز عليها الأنشطة الخيرية: الموارد ومصادرها، العلاقات الخارجية وتأثيراتها، الإجراءات الداخلية والتنفيذ، الدعم الفني وحل المشكلات، مؤشرات الأداء ومعايير التقييم.
خامساً، تكليف شخص داخل المؤسسة الخيرية بمتابعة مهام التعلم؛ يساعد أولاً في تخطيط ومتابعة أساليب حفظ البيانات ومعالجتها - مثل المهام التقليدية لإدارة المعلومات - ثم يدير تدريب وتأهيل المنتسبين إلى المؤسسة - ربما تتولى ذلك إدارة التدريب. ولكن الأهم من ذلك، هو إدارته لأساليب رصد وحصد المعرفة من الميدان مباشرة، باعتبار أن كل المؤسسات الخيرية تعمل في بيئات جديدة نسبياً لا تملك ما يكفي من المعرفة عنها، وهنا أحد أكبر التحديات المحلية الراهنة في القطاع الخيري.
الحفاظ على منحنى إيجابي للتعلم ضرورة ملحة ومهمة لكل عمل مؤسسي، وبالذات العمل الخيري حيث تترهل في العادة الحوافز المؤثرة. لا يعد التعلم مكسبا حيويا على مستوى المؤسسة الخيرية فقط بل على مستوى المجتمع والاقتصاد الوطني كذلك، لذا لابد من تعاون الجميع لتحقيق هذه الهدف المهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي