مليار بيل جيتس والعمل الخيري
سرى في تويتر خبر تبرع "بيل جيتس" بمليار ريال سعودي لمصلحة مشاريع شلل الأطفال التي يشارك بها بنك التنمية الإسلامي. وبالطبع، كان تداول الخبر يقوم على المقارنة المباشرة بين بيل جيتس وأثرياء المنطقة بتهكم وسخرية لا حدود لهما. خصوصاً أن التبرع عُومل بأنه لمؤسسة إسلامية تقع في بلد إسلامي، لذا يبقى السؤال، لماذا يأتي "بيل جيتس" ويقطع المحيطات ليفعل ذلك؟ أين الأثرياء الأقرب والأولى من مبادرة "بيل جيتس"؟ في هذا الحدث بلا شك، وأعمال "بيل جيتس" الخيرية عموماً ما يستحق التوقف، بل هناك ما هو أهم بكثير من كل المليارات التي تخرج أخبارها بين الحين والآخر.
دعونا نُقلب "ملاحظات جيتس" - كما يسمي تدويناته - التي يكتبها بصفه دورية موثقاً تجاربه في العمل الخيري، ونحاول معرفة كيف ينظر الرجل إلى المنطقة ولماذا يقوم بالعمل الخيري فيها بهذه الطريقة. أول ما يمكن استخلاصه من مجرد التوثيق العلني لتجاربه، هو إدراكه للتأثير الذي يحظى به، واهتمامه بدوره في تحفيز غيره من القادرين على العطاء - وتوثيق التجارب هنا درس مهم في المسؤولية الاجتماعية الفردية لكل من يحصد النجاح.
يصنع "بيل جيتس" تأثيره في العمل الخيري بطريقتين: عندما ينشر التعلم الجديد الذي يحصل عليه - بقصد أو بغير قصد - عندما يحرج الأثرياء كما يفعل في العادة. هو يكتب ملاحظاته عن الزراعة والصحة والبيئة والتعليم، وهذه من أهم المجالات التي تمكن منظمة جيتس الخيرية من تحقيق أهدافها التي تتمحور حول تحسين مستوى الصحة في الدول النامية. يعمل في هذه المنظمة أكثر من ألف شخص، وتقدر ثروتها بأربعين مليار دولار.
لم يكن خبر هذا المليار غريباً على "بيل جيتس" الذي منح نصف ثروته للعمل الخيري، فهو يقول بأنه "سبق أن دعم مجموعة من البرامج في دول إسلامية بمبالغ تفوق السبعة مليارات ريال" وليس ملياراً واحداً فقط، علما بأن سياسة مؤسسته الخيرية تنص على عدم تمويل المشاريع الدينية على الإطلاق. ولا تعارض هنا، كما سيأتي، هو في الحقيقة يستفيد من هذه الشراكات لتحقيق أهداف مؤسسته الخيرية.
لا يخفي "بيل جيتس" حاجته إلى هذه الشراكات، بل يوثقها ويصفها بأنها من أهم الاستثمارات في العمل الخيري. يستشهد بصعوبة تطعيم الأطفال في المناطق الحدودية الباكستانية بالقرب من مناطق نفوذ القبائل، والذي لم يصبح ممكناً إلا بعد مساعدة أصدقائه في الخليج. وشركاؤه في المنطقة - كما يقول - هم من يساعده على نجاح هذه البرامج، وهذا قطعاً ليس بالمشاركة المادية فقط وإنما بالمعرفة والخبرة كذلك.
راهن "بيل" خلال السنوات الماضية على نجاح الشراكة مع بنك التنمية الإسلامي والأمم المتحدة للقضاء على شلل الأطفال، لأن البنك في نظره يملك ما يكفي من الموارد والإبداع والمصداقية لتحقيق التعاون اللازم مع الدول التي تعاني من المرض، وهذا الرهان لم يكن موجوداً لولا تميز أداء البنك وأداء قياداته في العمل التنموي الأصيل. السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا، إلى أي درجة تصل استفادة القطاع الخيري محلياً من خبرات وإمكانات البنك وهو بين أيدينا؟ خبرة بنك التنمية الإسلامي التنموية في الدول الإسلامية لا مثيل لها، غير أن إعادة تدوير ومشاركة هذه الخبرة مع الأطراف الشابة والأقل خبرة قد لا تكون بالمستوى المطلوب.
يتحدث "بيل جيتس" عن إعجابه بالقيادات الشابة التي يقابلها خلال زيارته لدول الخليج، يصفهم بالموهبة والتواضع مع القدرة على ممارسة أنشطتهم في بيئة محافظة ومتغيرة في الوقت نفسه. وهكذا يستخدم مثل هذه العبارات الإيجابية المحفزة، إضافةً إلى الكثير من الأمثلة والتجارب الحقيقية التي شهدها خلال جلساته مع أثرياء المنطقة واصفاً كرمهم الذي يتزامن مع ازدهار المنطقة ورغبتهم في فعل الخير، وبالطبع يحثهم على الإعلان عن ذلك لتحفيز غيرهم من القادرين. لا أشك في أن "بيل جيتس" يستهدف السيولة الموجودة والمتزايدة لدى أثرياء المنطقة، غير أن استهدافه لحسن الحظ لا يشبه استهداف غيره من المستغلين الأشقياء، وإنما هو استهداف نبيل لترويج العمل الخيري بأحدث الطرق، أتمنى فعلاً أن ينجح في ذلك.
يتحدث "بيل جيتس" عن ثلاثة عوامل تحسن من فاعلية العطاء في منطقة الخليج: الاستفادة من الاستراتيجيات والنماذج الناجحة، والاستثمار في التقنية والابتكار، إضافة إلى دور الإعلام المهم. ويُذكّر كذلك - قبل أن يختم أحد تدويناته بكلمة "إن شاء الله" - بعدم اتباع المشككين الذي سيقولون لك بأن لا شيء سيتغير، خصوصاً في وجود التقنية والأدوات والعديد من الفرص الرائعة.