البطاقات الائتمانية وزيادة المديونية
ناقشت موضوع البطاقات الائتمانية قبل سنوات عدة وبينت وجهة نظري حيال الأضرار العاجلة والآجلة من جراء استخدامها، كما بينت الطرق التي تلجأ إليها الشركات عندما تغري مستهلكيها باقتناء البطاقات الائتمانية، وكيف أن بعض الشركات تفضل التبضع بالبطاقات الائتمانية على الدفع النقدي. وخلصنا إلى أن المستهلك ينبغي له تجنب هذا الوباء ما استطاع بأن يدفع قيمة مشترياته بالنقد المباشر حاضرا بحاضر، وأن يكف عن السعي وراء المؤسسات المالية كي تجود عليه ببطاقة ائتمانية، كما يجب عليه أن يتجنب تسجيل قيمة مشترياته عند الباعة وأصحاب التموينات الصغيرة أو أي طريقة أخرى تؤدي إلى تأجيل الدفع بزيادة.
إلا أن البعض يرى أن اقتناء البطاقات الائتمانية ليس سيئا في كل الأحوال، وهي ضرورية في حالات عديدة كالسفر والتسوق الإلكتروني. وهذا صحيح، فالبطاقة الائتمانية قد لا يمكن الاستغناء عنها في حالات كالسفر والتبضع عن طريق شبكة الإنترنت، إلا أنه يمكن تقليل استخدامها. فعلى سبيل المثال إذا كان السفر داخليا بين المدن السعودية فالناس لا تحتاج إليها أبدا، فجميع الأماكن التي يمرون عليها ويقيمون فيها لا تحتاج منهم إلى اقتناء بطاقة ائتمانية، بل الدفع الفوري، ونحن ما زلنا بخير إذا استمر الوضع بهذا الشكل. أما اذا كان السفر خارجيا، فهناك فئتان، فئة تسافر إما للعمل أو العلاج، وهذه الشريحة عادة ما تتكفل الدولة أو مقر أعمالهم بتكاليف سفرهم، ولا أظن أنها ستنقطع بهم السبل إن أقدموا على السفر من دون استخدام البطاقة الائتمانية، لكن ينبغي أن تكون موجودة، لكن تستخدم للضرورة. أما من كانت سفرياته للسياحة والترفيه، فالحاجة إليها هنا ملحة، لكن لا تعتبر هنا المصدر الوحيد للدفع وهي غالبا ما تستخدم كتوثيق من أجل تسهيل حجز الفنادق والسيارات وغيرها، ويمكن الدفع في نهاية المطاف نقدا أو عن طريق البطاقات مسبقة الدفع.
المشكلة أن البعض يتعمد اتخاذ البطاقة الائتمانية رفيقة له في السفر ويجير عليها أهم بنود تكاليف الرحلة، والمعضلة الكبرى أنه يستخدمها وهو لا يملك مصروفات السفر، وهو لا يعلم أنه يقترض من مستقبله التمويلي، أي يستدين من مدخراته المستقبلية، وبفعلته هذه يسمح للمؤسسات المالية أن تستبيح أمواله. وعند عودته تنتظره تبعات كل هذا من فواتير وأقساط وفوائد ونحوها ويبقى طوال العام يسدد تكلفة الرحلة حتى تنسيه كل لحظة ماتعة تذوقها، وتصبح رحلته هذه ذكرى مريرة وتجربة مؤلمة. ونحن لا نقول إنه ليس من الحكمة استخدام البطاقة الائتمانية، عندما يكون هناك مبلغ فعلي يغطي تكاليف الرحلة، أما أن تعتبر المصدر الأساسي لتمويل الرحلة، فهذا يعني أن المسافر اقترض من أجل السفر، وهذا يعتبر قرضا سيئا، ونحن نعرف أن القروض تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قرض حسن وقرض حميد وقرض سيئ. فإذا لم يكن لدينا مبلغ نقدي فائض وكافٍ للسفر والترفيه فلنُمسك منازلنا ولنتنزه في مدننا التي كثيرا ما نجهل رموزها، وآثارها، ومتاحفها، وحدائقها، وليس من الحكمة أن نستدين من أجل النزهة والترفيه.
أما التسوق الإلكتروني فهو أسلوب بدأ يأخذ مكانه في ثقافتنا التسويقية، رغم أنه لم يطغَ على التسوق التقليدي، إلا أن هناك معوقات عدة تقف أمام ممارسة التسوق الإلكتروني أهمها استخدام البطاقات الائتمانية. والذي يفيدنا في هذا دراسة ميدانية عن التسوق الإلكتروني في السعودية صدرت عام 2009 تطرقت إلى عوائق استخدام التسوق الإلكتروني بالتطبيق على عملاء الشركات التجارية في المملكة، وتوصلت إلى أن أكبر المعوقات التي تواجه العملاء عند التعامل مع الشبكة العنكبوتية في التسوق هي “صعوبة استرجاع وتبديل السلع” يليها مباشرة خوف العملاء من تسرب أرقام البطاقات الائتمانية وسوء استخدامها من قبل موظفي الشركات ومن قراصنة الشبكة. من هنا نجد أن البطاقات الائتمانية ليست آمنة، ويجب الحذر عند استخدامها في هذا المجال، كما أن التسوق الإلكتروني بشكل عام ما زال يشوبه كثير من المخاطر وعدم الوضوح، منها أن اللوائح والأنظمة التشريعية المنظمة والبنية التحتية للتسوق الإلكتروني لم تكتمل بعد.
نعود ونكرر أن استخدام البطاقات الائتمانية سيفاقم حالة المديونية التي يمر بها البعض. وموضع المديونية يضطرني إلى أن أبعد قليلا عن لب المقال لأعرض سببا واحدا أرى أنه وراء ما يعانيه الناس من قلة ما في اليد، ألا وهو تولي المؤسسات المالية صرف رواتب الموظفين. فالترويج للسلع والخدمات وانتشار البطاقات الائتمانية والقروض لم تكن حاضرة عندما كانت رواتب الموظفين تدفع لهم نقدا ويتسلمونها يدا بيد من مقر أعمالهم. نعم تولي البنوك إدارة وتوزيع الرواتب ناحية تنظيمية جيدة، سهلت على الهيئات والمنظمات الكثير، إلا أنها أفرزت مشاكل تمويلية عدة لكثير من المواطنين، حتى إن بعضهم أصبح يعمل فقط من أجل تسديد تكاليف القروض. وقد كنا نظن أن دور المؤسسات المالية يقتصر فقط على تنظيم عملية صرف الرواتب، فإذا بهم يستغلون جهل الناس وحاجتهم إلى المال فينقضون على أموالهم.
إنني أرى أن لجمعية حماية المستهلك دورا كبيرا في توعية الناس وتثقيفهم بمثل هذه الأمور، فأغلبية المستهلكين يجهلون التعاملات الماكرة والمشبوهة لبعض الشركات التجارية والمؤسسات المالية التي تطوع النظريات النفسية والنماذج السلوكية لدراسة سلوك المستهلك لاقتناصه وتفريغ ما في حوزته. إنني أرى أن تعقد دورات لعامة للناس لتوعيتهم بطرق الشركات في تسعير المنتجات، وطرق البنوك في التعامل مع الودائع، ولا يمنع من إقامة ورش عمل في الغرف التجارية، التي تمثل خدمة المجتمع إحدى وظائفها الأساسية.