البيئة الرياضية السعودية ودروس من كأس العالم
دائما ما تبهرني متابعة الشعوب العربية وإعلامها الرياضي المناسبات الرياضية العالمية كالأولمبياد وكأس العالم لكرة القدم رغم أننا - كما يبدو لي - لا ناقة لنا فيها ولا جمل من جهة المشاركات الفاعلة، فضلاً عن تحقيق البطولات، وأعتقد أنه لا أحد من أفراد الشعوب العربية ينتظر أن يحقق منتخب عربي كأس العالم أو العديد من الميداليات الذهبية في الألعاب الأولمبية، لذلك ما إن يفوز منتخب عربي بمباراة في كأس العالم حتى تعمنا الفرحة وكأننا حققنا إنجازاً كبيراً وكذلك الأمر إذا حقق لاعب عربي ميدالية ذهبية أو ما دونها في أي لعبة من الألعاب الأولمبية.
لست من المهتمين بالرياضة وبطولاتها لذاتها، لكني بكل تأكيد مهتم بالرياضة بكل ألعابها لأبعادها المهمة والحيوية التنموية الأخرى في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والصحية والتربوية والتعليمية، إضافة إلى دورها في مقاومة الجريمة والتطرف والإرهاب الفكري، لذلك يسعدني أي تطور في الفكر الرياضي السعودي، كما يسعدني أي تطور ينطلق من هذا الفكر في المنشآت أو الكوادر أو البرامج الرياضية وعدد اللاعبين في الألعاب كافة.
اهتمامي النوعي بالألعاب الرياضية وبطولاتها يتجاوز الاهتمام العاطفي كما هو حال المشجعين أو الاهتمام بالوجود للمتعة والترفيه كما هو حال الكثير من المسؤولين في الحقل الرياضي إلى الاهتمام بمدى التطور بفكرنا الرياضي وتطبيقاته ونتائجه المتوقعة بعد المشاركة أو الوجود في أي مناسبة رياضية دولية كمناسبة كأس العالم.
يحكي لي أحد المطلعين على واقع مؤسساتنا الرياضية كافة أن الفكر السائد لدى معظم المسؤولين والعاملين في الحقل الرياضي منحصر في الفوز بالبطولات كغاية، لذلك كل الجهود تتمحور حول ذلك، وبالتالي فإن الجهود المخططة والمبذولة لا تتجاوز استقطاب المواهب المتاحة في أيٍ من الألعاب وتأهيلها من خلال معسكرات محلية وخارجية باجتهادات غير مخططة بعمق وبتكاليف قليلة لضعف الموازنات ولفترات قصيرة ومن ثم المشاركة بهذه المواهب في البطولات الخليجية والعربية والآسيوية والأولمبية، لذلك عادة ما تكون النتائج مخيبة للآمال بسبب ندرة المواهب.
ويضيف أن الإعلام الرياضي الذي عادة ما يلعب دورا كبيرا في الضغط على العاملين في الحقل الرياضي واللاعبين للتطوير والفوز، إعلام يتماهى مع واقع الرياضة السعودية ولا يؤثر فيها، وهو إعلام يهتم بالدرجة الأولى باللعبة الجماهيرية التي تجذب القارئ وهي كرة القدم ويفرد لها الصفحات وأعمدة الكتاب ولا يُفكر بتاتاً في إعادة تشكيل الفكر الرياضي وتطبيقاته في بلادنا، ففاقد الشيء لا يعطيه بكل تأكيد.
لذلك من وجهة نظري ونتيجة لجمود الفكر الرياضي من ناحية وتماهي الإعلام الرياضي مع هذا الجمود من ناحية أخرى، فإن معدلات النمو في عدد لاعبي الكثير من الألعاب الرياضية التي أفردت لها اتحادات رياضية تتجاوز الـ 30 اتحادا رياضيا تكاد تكون منعدمة رغم النمو السكاني الذي يشكل الأطفال والشباب أغلبيته، بل إن بعض الاتحادات الرياضية تعاني عدم وجود أعضاء مجلس إدارة، فضلاً عن اهتمام الأندية الرياضية بألعابها وتوليد عدد معقول من اللاعبين المنافسين في ممارستها مقارنة بالدول المثيلة.
ما سبب الجمود في الفكر الرياضي وتطبيقاته في بلادنا؟ البعض يقول إنه لا عنصر ضاغطا على الدولة والمجتمع كما هو حال البطالة والإسكان لتتوجه لقطاع الرياضة لدراسة أسباب هذا الجمود رغم الأموال التي تنفق، ورغم المشاركات المحلية والدولية، ورغم الحضور والزيارات في الكثير من المناسبات الدولية والتواصل المستمر مع الاتحادات الدولية واللجان الأولمبية وغيرها.
من جهتي أكاد أتفق مع هذا الرأي رغم أن الرياضة أصبحت عنصراً مهما في رعاية الشباب وتنميتهم وحمايتهم من الكثير من المخاطر، وبالتالي أعتقد أن الدولة والمجتمع ينظران للرياضة نظرة تتجاوز اللياقة والفوز بالبطولات ورفع راية المملكة خفاقة في المحافل الدولية إلى دور الرياضة التنموي.
استمعت لقصة من أحد الشباب السعودي العاملين في مجال تنظيم المعارض والمؤتمرات أعتقد أن نقيضها يقف وراء عدم التقدم في الفكر الرياضي السعودي وتطبيقاته بمرور الزمن وما ترتب على عدم التقدم أو الجمود. هذا الشاب يقول إنه بحكم عمله حضر الكثير من المعارض والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها وفي كل مرة يحضر فيها يعقد مقارنة بين المعارض والمؤتمرات المحلية والدولية حتى عرف الفرق والفجوة وأسبابها وبعد ذلك أسس شركة للمعارض والمؤتمرات انطلاقاً من الفكر التنموي الذي يقف وراءها وليس انطلاقا من التنفيذ لأجل التنفيذ وصرف الميزانيات وتحقيق المنافع والأرباح، ويؤكد أن معارضه ومؤتمراته أصبحت جزءا من العملية التنموية في بلادنا وأنه يحقق إيراداً جيداً وأنه يشعر براحة الضمير كونه يشارك في تنمية بلاده بالتزامن مع نجاح عمله الخاص.
نعم نقيض هذه القصة يقف وراء الجمود لأنني لا أعتقد أن أحداً إلا ما ندر قرر المشاركة أو الحضور في مناسبة رياضية دولية بقصد دراسة الفجوة في الفكر والتطبيق الرياضي وتحديد أدوات معالجتها ومن ثم المساهمة من موقعه في تطوير الفكر الرياضي السعودي وتطبيقاته لنحرز تقدماً ملحوظاً بمرور الوقت بدل الجمود أو التراجع الذي نعيشه منذ زمن.
كلي ثقة بأن المسؤولين والعاملين في أي من الحقول الرياضية والعاملين في الإعلام الرياضي لو وضعوا نصب أعينهم دورهم كأفراد ومسؤولين كل من موقعه في تطوير الفكر الرياضي وتطبيقاته في بلادنا لأصبحت الرياضة في بلادنا في موضع تنموي أفضل بكثير مما هي عليه الآن ولأقبل عليها الكثير من أطفالنا وشبابنا ولتوافرت لدينا أعداد هائلة من الموهوبين وبشكل دائم، والذين يمكنهم تأهيلهم من خلال مراكز التميز الرياضي محليا وخارجيا للفوز بالبطولات كمحصلة.
ختاماً أرجو من كل من يحضر أو يشارك في مناسبة رياضية عالمية بما في ذلك بطولة كأس العام لكرة القدم أن يضع نصب عينيه ضرورة الارتقاء بفكره الرياضي ليحدد الفجوة بين ما شاهده وما نحن عليه ليشارك في ردم الفجوة ولو بمساهمة بسيطة لننهض بواقعنا الرياضي ليلعب دوره التنموي المنشود.