رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


إرهاصات مجلس الشورى: زكاة الأراضي والصندوق السيادي

في الأسابيع القليلة الماضية خرج مجلس الشورى بقرارات اقتصادية مهمة ولعل الأهم أنها لم تصدر من الجهات التنفيذية ذات العلاقة، فالأحرى أن تبدأ مبادرات السياسة العامة من "المطابخ التنفيذية" ومن ثم تأخذ مجراها في المسار الإجرائي. لذلك تعتبر إرهاصات وتوصيات أكثر منها برامج سياسة عامة. اقتصاد مثل المملكة يتقدم تنمويا وخاصة في الشق الاقتصادي بالتحامه مع السياسات العامة التي تربط بين السياسة بالمفهوم العام وبين البرامج الاقتصادية المحددة القادرة على تشكيل الأرضية والبيئة الاقتصادية لتصبح أكثر منطقية وتناسقاً مع استحقاقات المستقبل وما يدور في العالم ولتفعيل إدارة الموارد بما يصب في متطلب أداء الفريق الواحد. في هذا السياق أعلن مجلس الشورى توصياته بالزكاة على الأراضي البيضاء وتأسيس صندوق سيادي.
التوصية بنظام زكاة على الأراضي البيضاء جاءت كأنها مطلب شعبي يحمل استحقاقات اقتصادية ولكنه بعيد عن التشخيص والعلاج الاقتصادي المناسب للمرحلة. تعليق الشماعة على الأراضي البيضاء يصب في مصلحة ملاك الأراضي لأنه مطلب غير واقعي، فمثلا ما هو تعريف الأرض البيضاء؟ يبدو أن التعريف مرتبط بمفهوم ضيق أكثر منه بمصلحة تنموية متكاملة. الأحرى أن تطبق الزكاة على كل عقار لا يوظف فعليا واستمراريا للتجارة أو المأوى (الأوحد والمباشر). الهدف من تطبيق الزكاة ليس جباية المال على الأقل في هذه المرحلة من إدارة الاقتصاد لدينا بقدر ما هو تنظيمي في الجوهر. في نظري الأحرى تطبيق رسم بلدي قابل للتنفيذ أفضل من الزكاة خاصة أن الباحثين في الاقتصاد الإسلامي مقصرون وما كثرة الفتاوى غير المقننة إلا دليلا (راجع فتوى أبي زيد عن الأراضي). الأهداف هي تحريك رأس المال لتنشيط الاستثمارات الحقيقية وتسهيل إدارة وتنظيم المدن وتعديل المعادلة الاقتصادية في تكلفة السكن. ليس الهدف الانتقام أو إرضاء أحد بل لأنه ضرورة اقتصادية بغض النظر من الخاسر والمستفيد.
كذلك أقر مجلس الشورى تأسيس صندوق سيادي للأجيال القادمة تحت ضوابط معينة. ولكن سبب عدم تأسيس الصندوق مؤسساتي حيث ترى الجهات المالية الفاعلة أن السيطرة على المال بجميع أشكاله في تناغم مع سياسة اقتصادية طابعها الأساسي مالي. فهي تريد رصيدا قابلا للصرف وليس بالضرورة مرتبطا بالسياسة الاقتصادية وخاصة عندما تكون بعيدة الأجل. خاصة أن هاجس المالية مرتبط بتجربة الثمانينيات من القرن الماضي حين استهلك الرصيد وزاد عليه برنامج اقتراض واسع لتغطية العجز في الميزانية. تجربة تلك الفترة أعطت المالية انطباعا بأن السيولة (بعد واحد في إدارة المال) هي الأهم على حساب إدارة الاقتصاد في المدى البعيد. تتغير البيئة الاقتصادية ولكننا نرفض التغيير. اليوم حتى الدول التي لا تجني أموالا من الريع الاقتصادي تؤسس صناديق استثمارية سيادية مثل سنغافورة وإسرائيل، كما أن اقتصاد المملكة مختلف حيث إنه أكثر عمقا من تلك المرحلة إذ إن هناك حاجة أكثر لدرجة من التكامل والتطور الاستثماري. أسست المالية صندوق سنابل كخطوة خجولة في حجمها وبطيئة إذ أخذ تأسيس الصندوق أكثر من سنتين ولم يستثمر دوليا حسب ما أعرف. أسباب عدم تأسيس صندوق سيادي استثماري في غالبها مبنية على نهج مؤسساتي عماده الخوف والتخويف وليس ميزة نسبية أو تشكيلا اقتصاديا منفردا.
لم تعلق الجهات ذات العلاقة التي كان الأحرى أن تكون هي المبادرة وأن يكون المجلس في نقاش وتحليل وتقديم اقتراحات لتعديل النظام المقترح ولذلك أخذ مجلس الشورى بهذه الخطوات الإيجابية التي تحتاج إلى مزيد من التحليل والربط مع ما ذكرت في الجزء الأول من العمود. تبدو هذه التوصيات وكأنها يتيمة ومحاولة شاقة لتفعيل أجهزة تنفيذية اعتادت على المألوف الذي لا يخدم الاقتصاد ومع هذا تصر على الدفاع عنه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي