رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التصدي للشعوذة بالرقية الشرعية

"قد يكون للسحر وأفعاله تأثير عضوي على الإنسان المسحور، بل له تأثير كبير جدا. فهناك بعض الأورام الباطنية والعضوية بسبب السحر. وهناك أيضا بعض أمراض السرطان والمعدة، وهناك من يصاب بتعطل في وظائف الكلى بسبب السحر".
عنوان المقال والفقرة السابقة مقتبسين من موضوع قرأته أخيرا في إحدى الصحف المحلية، وهو أمر عجيب، هذا التناقض الواضح؛ فالعنوان يدعو إلى محاربة الشعوذة. ومن الممكن أن نعرف الشعوذة بأنها أي عمل أو قول يدخل ضمن الدجل والتحايل والبعد عن الحقيقة والواقع. ونحن نتفق مع صاحب المقولة آنفة الذكر بأن مدعي السحر المتداول في مجتمعنا هم من طبقة المشعوذين، ولكنه هداه الله وقع فيما نهى عنه، فهو إنسان عادي جدا وتعليمه من المؤكد أنه متواضع ونظري ولا علاقة له بالعلوم التجريبية والإكلينيكية، وخاصة الطب، ومع ذلك يقحم نفسه ويحكم بأن السحر الذي يدعونه، وهو خرافة، يكون أحيانا له تأثير عضوي ويسبب أمراضا مثل السرطان والأورام الباطنية وأمراض المعدة والكلى، حمانا الله وإياكم. من أين تعلم هذه المهارة العلمية الدقيقة وهو لم يتلق أي تعليم أكاديمي بهذا المعنى؟ أليست هذه هي الشعوذة بعينها؟
ونتساءل ببراءة متناهية، أين دور وزارة الصحة حول نشر مثل هذه المعلومات المضللة؟ هذا الكلام الذي يرددونه على صفحات الصحف خطير على المجتمع إنهم يدمرون العقول وينشرون الوهم ويبعدون الناس عن طريق العلاج العلمي الصحيح. فهل من أمل في أن تتحرك الوزارة وتبين للناس خطأ هذا الاعتقاد؟ وتصدر تعليمات للصحف بالكف عن نشر مثل هذه الخرافات والخزعبلات.
ولعلكم قرأتم أو اطلعتم على ما تم نشره قبل أيام في وسائل الإعلام، عن فتاة من منطقة تبوك في العقد الثاني من العمر، ادعوا أنها كانت مسحورة. يقول الخبر: تمكنت شعبة مكافحة السحر والشعوذة بهيئة منطقة تبوك من إبطال سحر وفكه. إلى هنا والأمر طبيعي، فهذه ممارسات تكاد تكون يومية على غرابتها، ولكن ما ذلك السحر الذي استطاعوا بحنكتهم ومهاراتهم الخارقة أن يبطلوا مفعوله؟ يذكر الخبر أن "لفة" من الشعر والأظافر وقطع القماش وقطعة قصدير ومواد أخرى كانت قد خرجت من بطن الفتاة التي كانت تعاني أعراضا صحية ونفسية لثماني سنوات. ولولا ضيق حيز المقال لأرفقنا صورة لذلك الخليط الذي ظهر في الصحيفة، رغم بشاعة منظره. والسؤال، هو من الذي أدخل ذلك المخلوط العجيب في جسدها، وكيف ومن أي مخرج خرج؟ هذا لا تجيب عليه الشعبة المختصة، وما القصد من نشر مثل هذه الخرافات التي لا يمكن لعاقل أن يصدقها؟ وهل من المعقول أنها لم تذهب إلى مرفق صحي مع تلك المعانات الطويلة؟ وأين تقارير وزارة الصحة الصامتة؟
يا هداكم الله، حاربوا الذين يدعون أنهم يستطيعون الإضرار بعباد الله عن طريق الابتزاز وافضحوا كذبهم. يقول الله جل شأنه في محكم كتابه، "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". اتركوا عنكم خوارق العادات وعلوم الغيب التي لا يعلمها إلا الله، والأمور التي ليست من اختصاصكم. ويا رقاة، اقرأوا آيات القرآن الكريم متى ما شئتم وعلى من شئتم، فهو راحة للنفس وشفاء ورحمة. ولكن لا تنشروا الخرافات والخزعبلات وتدعوا أنكم تعرفون ما لا يعرفه المتخصصون. ونحن نعلم أن هناك من لا يروق لهم مثل هذا الحديث، إما لخوف من المجهول أو اقتناع بما يسمع دون أن يحكم العقل والمنطق السليم. أنا تحدثت عن حالتين واضحتين كما وردتا في الإعلام، فهل يعقل ألا يكون لنا رأي فيهما مبني على الفهم والإدراك الذي منحنا إياه رب العالمين؟ وكيف نصدق أن كمية كبيرة من خليط مقرف قد وجد طريقه إلى معدة الفتاة، والمخارج المعروفة لا تتسع لدخوله ولا لخروجه؟ ألم يفكروا في هذا الأمر قبل الحكم عليه بأنه أداة سحر؟ وهل من المعقول ألا يدور في خلدهم أن المسألة كانت عبثاً بعبث؟ واللافت للنظر أن أكثر المعلقين على الخبر تدل تعليقاتهم على أنهم مصدقون لهذه الخرافة، ولم يأت على بال أحد منهم أنها كذبة كبيرة بسبب استحالة حدوثها. يا حلاوة العقل والمنطق والاتكال على رب العالمين ونبذ ما لا يستسيغه الذوق السليم.
ونتساءل مرة ثانية وثالثة، أين المسؤولون عن التوعية الصحية؟ وأين علماء وأطباء الصحة النفسية مما يجري على الساحة دون رقابة ولا تنديد؟ وهل نريد لأمتنا أن تكون ضحية لهذه الوساوس والترهيب ونشر الخرافات على أيدي جهات رسمية تتقاضى مصروفاتها من خزينة الدولة؟ ونحن قد من الله علينا بقرآن عظيم يرشدنا إلى الطريق القويم والإيمان بقدر الله خيره وشره.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي