آثار دعم أسعار الطاقة
تتبنى العديد من دول العالم سياسات دعم أسعار الطاقة وذلك لدعم دخول المستهلكين وخفض تكاليف الإنتاج التي يواجهها المنتجون. ويخفض دعم أسعار منتجات الطاقة من أسعارها ويشجع على زيادة استهلاك الوقود، وكلما زادت نسبة الدعم في أسعار الوقود ارتفعت معدلات استهلاكه. ويرفع دعم أسعار منتجات الطاقة من معدلات تلوث البيئة سواءً من الملوثات السائلة أو الصلبة أو انبعاث الغازات الضارة للهواء، بما في ذلك الغازات الدفيئة التي يعتقد كثير من العلماء بأنها تساهم في ازدياد حرارة كوكب الأرض. ويتنبأ كثير من المختصين بأن ازدياد حرارة الطقس سيقود إلى نتائج كارثية على معظم دول العالم. وإضافة إلى ذلك يساهم دعم الوقود في زيادة انبعاث العديد من الغازات الأشد خطورة على البيئة المحلية التي يرتفع بها استهلاك الوقود، كالمدن الكبيرة والتجمعات الصناعية، مما يرفع معدلات الإصابة بالأمراض والتي يتصف بعضها بخطورة كبيرة تتسبب في زيادة معدلات الوفيات.
صحيح أن دعم أسعار الوقود يرفع من دخول المستهلكين الحقيقية، إلا أنه يتحيز لصالح أصحاب الدخول المرتفعة والأغنياء الذين يستفيدون من دعم الوقود بدرجة أكبر كثيراً من الفقراء، حيث يرتفع حجم استهلاك الطاقة مع ارتفاع الدخل. فارتفاع الدخول يتناسب مع اتساع مساحات المنازل والمزارع والمنتجعات والتي تزداد بها الأجهزة المستهلكة للطاقة، كما يساهم ارتفاع الدخول في زيادة وكبر وسائل النقل وحجم التنقلات مما يزيد من استهلاك الطاقة. ويستفيد الأغنياء بدرجة أكبر أيضاً من دعم الوقود لتملكهم الجزء الأكبر من وسائل الإنتاج المستهلكة للطاقة مما يرفع أرباحهم. ويأتي جزء كبير من أرباح ودخول ميسوري الحال في الدول المخفِضة لأسعار الوقود بصورة غير مباشرة من سياسات دعم الطاقة. ولا يقتصر دعم الوقود على الدول الغنية المنتجة للنفط، ولكن عددا كبيرا من دول العالم يدعم أسعار منتجات الطاقة بما في ذلك الصين والهند والولايات المتحدة. ويأتي جزء كبير من دعم الطاقة على هيئة إعفاءات ضريبية أو بالتغاضي عن الأضرار البيئية. ويقدر صندوق النقد الدولي حجم الدعم العالمي للطاقة بنحو ترليوني دولار في عام 2011م، وترتفع نسب الدعم في الدول الغنية بالطاقة مثل دول "أوبك". ويساهم دعم أسعار الطاقة بخفض الاستثمار في إنتاج الطاقة، حيث يؤدي خفض أسعار منتجاتها إلى تدني العائد على الاستثمار في وسائل إنتاجها. ويمكن ملاحظة تدني حجم الاستثمارات الخاصة في منتجات الطاقة لدى الدول التي ترتفع فيها معدلات دعمها. ويقود دعم أسعار الطاقة أيضاً إلى خفض الاستثمار في مصادر إنتاج الطاقة النظيفة. وقد أدى انخفاض أسعار الوقود في المملكة مثلاً إلى غياب شبه كامل للاستثمار الخاص في مصادر الطاقة النظيفة والبديلة كالطاقة الشمسية، وبدلاً من ذلك ينتظر الجميع في المملكة تدخل الدولة للقيام بمشاريع الطاقة البديلة والنظيفة. ويؤدي دعم الطاقة إلى اقتطاع جزء كبير من إيرادات الدول المتبنية لهذه السياسات. وتقدر بعض المصادر أن حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تفقد نحو 20 في المائة من إيراداتها المالية بسبب سياسات دعم الطاقة. وكان من الممكن توجيه هذه الموارد للاستثمار في تنمية البنية الأساسية ودعم قطاعي الصحة التعليم ودعم الفقراء.
ويُخفض دعم أسعار منتجات الطاقة من معدلات النمو الاقتصادي وذلك عن طريق خفض الاستثمار في قطاع الطاقة. ويقود انخفاض معدلات الاستثمار إلى خفض توليد الوظائف في الاقتصاد. ومع أن قطاع مصادر الطاقة يوظف أعدادا قليلة إلا أن تأثر قطاعات أخرى بتراجع استثمار الطاقة يرفع من أعداد الوظائف المفقودة بسبب دعم أسعار الطاقة. ويتسبب دعم أسعار الكهرباء مثلاً في خفض الربحية في قطاعات إنتاج وتوزيع الكهرباء مما يخفض من جاذبية هذا القطاع للاستثمار الخاص. ويقود تراجع الاستثمار في هذا القطاع إلى تراجع قدرته على التوسع في طاقته الإنتاجية وقصوره عن تلبية نمو الطلب. وينتج عن هذا تزايد معضلات إيصال الكهرباء للمستهلكين، وارتفاع ساعات انقطاع التيار الكهربائي، وتراجع مستوى خدمات شركات الكهرباء. وتضطر كثير من الحكومات في الدول التي تخفض أسعار الكهرباء إلى تقديم دعم كبير لقطاع الكهرباء لرفع مستوى أدائه وتمكينه من التوسع في تقديم خدماته. ويؤدي تراجع قدرة قطاع الكهرباء عن تلبية الطلب وعجزه عن تقديم خدمات جيدة إلى التأثير السلبي على كافة القطاعات الإنتاجية مما يخفض قدرتها على المنافسة ويؤثر على مستويات الإنتاج ويخفض الوظائف ويرفع من التكاليف.
ويؤدي دعم أسعار الوقود المستخدم كمدخلات إلى زيادة تركز الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة واستهلاك كافة الصناعات من الوقود. وتزداد التشوهات في الاقتصاد مع ازدياد حجم الدعم، ويظهر التشوه من خلال استخدام الصناعات والمستهلكين تقنيات كثيفة الاستهلاك للطاقة وخفض الرغبة في إحلال رأس المال بديلاً للطاقة، مما يرفع من حجم الهدر في الطاقة المستهلكة ويقود إلى انخفاض كفاءات الصناعات والأسر في استهلاك الطاقة.