رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


استبيان وكالات السيارات: المشكلة التي تخفي ما هو أعمق

فجأة اندلعت مشكلة الرضى عن "أداء" وكالات السيارات عندما نشرت وزارة التجارة استبيانا إلكترونيا في موقعها ثم نشرت نتائجه التي جاءت بأن أكثر من النصف غير راضين عن "أداء" وكالات السيارات، ثم تطورت القضية عندما اعتبرت وكالات السيارات أن هذا العمل من قبل الوزارة وتحديد أسماء الوكالات يعد هجوما عدائيا يحتاج إلى رد من خلال لجنتهم في الغرفة التجارية التي قامت بنشر نتائج استبيان آخر يظهر العكس تماما وأن أكثر من 50 في المائة راضون عن "أداء" الوكالات. وبدت المشكلة وكأنها صدق الاستبيانات ومعلوماتها، لكن السؤال الذي يعبر عن المشكلة الحقيقية في هذا الصراع هو ماذا استفدنا - نحن كمواطنين - من هذه المعلومات؟ لاشيء فيما أعتقد. ولماذا نشرت هذه المعلومات لنا من قبل الوزارة ومن التجار وهي لا تخصنا ولن نستطيع اتخاذ أي قرار بشأنها؟ فهل سنتوقف عن شراء السيارات أو لن نذهب للوكالات لإصلاحها؟ وهل تكذيب النتيجة من قبل الوكالات سيغير من حقيقة واقعها المر؟ ولو أن الاستبيان نُشر من أطراف غير ذات قرار كجمعية حماية المستهلك مثلا لقلت إنها تهدف إلى إثارة متخذ القرار لكي يتحرك بهذا الشأن، لكن أن تصدر من متخذي القرار أنفسهم (سواء في جانبه الحكومي أو في جانبه التجاري) فهذا لا يفيد أحدا بشيء.
والواضح عندي تماما أن العمل على هذه الاستبيانات قد أخذ مسارا خاطئا تماما ويخفي مشكلة عميقة. فالمعروف من مقاييس الرضا أنها معلومات تخص متخذ القرار وليست تخص المستهلك. بمعنى آخر كان يجب أن تقوم الوزارة والغرف التجارية واللجان المختلفة بالجلوس سويا ومناقشة هذه النتائج على شكل ورش عمل لتطوير خطط وتحسين هذه النتائج أو تعزيزها (لا فرق). لكن أن يكون الهدف هو النشر والنشر المضاد فهذا لا معنى له وهو استهلاك المواطن إعلاميا فقط. وكل ما ننصح به الآن هو إيقاف هذا المسار تماما والعودة إلى تعزيز خدمات وكالات السيارات وفك الاحتكارات فيها، وتسهيل الشكاوى والبت فيها بسرعة، كما يمكن إشراك «حماية المستهلك» لإعداد نشرة أسبوعية عن حجم الشكاوى على كل وكالة وعدد الشكاوى التي تم حلها، وسرعة ذلك، حتى يتمكن المواطن من اتخاذ قرار الشراء والبيع بصورة مناسبة، هذا هو المسار الطبيعي لمثل هذه الأمور.
وبالرغم من أنني لم أزل غير مقتنع بنتائج الاستبيانات المذكورة جميعها لأسباب غير ما ذكرته سابقا - أسباب تتعلق بالمنهجية العلمية والعينة والتفسير الإحصائي الاحتمالي وغير ذلك مما ليس هدفا للمقال - لكنني شخصيا غير راض عن وكالات السيارات منذ الدخول لصالات العرض وشراء السيارة وحتى العودة للصيانة فضلا عن مشاكل الضمان التي يدعى زورا بأنها مجانية، ولابد من أجل صحة الضمان أن تكون الصيانة في نفس الوكالة وأن يدفع المواطن في مقابلها أضعاف ما يدفع خارج الوكالة، ناهيك عن قوائم الانتظار حتى أصبحت صيانة السيارة أكثر هما من مراجعة طبيب الأسنان، بل تتطلب أخذ إجازة عن يوم كامل "لمراجعة" الوكالة قبل السادسة صباحا، وأحيانا – إذا لم تكن محظوظا بما يكفي - تأخذ منك الصيانة شهرا كاملا لأن الوكيل لا يريد توفيرها بشكل دائم بل يقرر أن يطلبها من الشركة لمصنعه في أقاصي الأرض وعلى حساب المواطن نفسه. وشخصيا كانت لي تجربة مريرة مع أكثر من وكالة كان آخرها طلب إحدى الوكالات إصلاح المكابح الأمامية بمبلغ يتجاوز 1000 ريال بكثير وقد حلت المشكلة خارج الوكالة بأقل من 100 ريال، وكل هذا نعرفه جيدا ولا أحد يجهله وموظفو وكالات السيارات أنفسهم يعانون منه قبل غيرهم، لكن الحل ليس بنشر استبيان الرضا بل الحل بفك الاحتكارات ولو بقوة النظام ورفع قضايا من قبل الوزارة وحماية المستهلك، وأن يفعل بهم كما فعل بأشياعهم من منتجي ومحتكري حليب الأطفال. الحل أن يصل المواطن لحقه بسهولة جدا وأن يؤخذ الحق له بسرعة - ولو كان ظنيا - وعلى الوكالات أن تذهب في المسار الطويل لاسترداد حقها وليس العكس كما هو حاصل الآن فالوكالات تأخذ حقها بحكمها - وهو ظني في أغلب الأحيان - ومن المسار القصير أي مباشرة من جيب المواطن نفسه وهو في الورشة أو في الصالة بينما على المواطن أن يسترد حقه من المسار الطويل (أي المحاكم) لو كان واضحا لا لبس فيه.
الموضوع الثاني الذي يحتاج إلى معالجة هو موضوع لجان التجار في الغرف التجارية، ولقد علقت على هذا الموضوع منذ مدة طويلة، بعنوان "لجان الغرف التجارية .. حديث التجار المنتهي برفع الأسعار" وما حدث من لجنة وكالات السيارات في الغرف التجارية يؤكد ما ذهبت إليه فبدلا من أن تجلس اللجنة مع الوزارة وتناقش المسألة بهدوء وتحاول التوصل إلى مقترحات لرفع وتحسين أداء الوكالات وبحث أساليب وطرق قياس ترضي الطرفين وتوصل معلومات صادقة إلى السوق قامت من لدنها - على أساس أنها ند - بحملة دعائية مضادة تعرف أنه لا فائدة منها ولا معنى لها. وما أقوله اليوم هو ما قلته منذ زمن لابد من تعديل هيكلة لجان الغرف التجارية وأن لا يجتمع أفرادها إلا من خلال الوزارة أو تحت مجهرها وأن لا تناقش قضايا الأسعار والإنتاج والاستيراد و قضايا العرض والطلب أو الجودة إلا بعد مناقشة الوزارة في ذلك مناقشة مستفيضة وأخذ رأيها في الوضع التمويني بما يكفل حق التجار وحق المواطنين على حد سواء.
وأخيرا يجب أن تدرك وزارة التجارة دورها المحايد، وأنها قاض بين طرفين، لا تنحاز إلى هذا ولا إلى ذلك وأن تضمن حرية التجارة وحرية الدخول إلى السوق وأن كل سوق تحتوي فرصا حقيقية للنمو، وتتنوع الفرص فيها بين المؤسسات صغيرها وكبيرها، كما تضمن للتجار سوقا رائجة لا يهضم حقهم فيها أو تهدر أموالهم في صراع الأقوياء أو الحصص أو حرب الأسعار. وأن تعمل على تفعيل جمعيات (وليست واحدة) لحماية المستهلك وتزيد من عددها وفاعليتها حيث يصبح لكل صناعة جمعية للحماية، تهتم بجمع المعلومات وتحليلها ونشرها بطرق رسمية، وأن تطور هذه الجمعيات وأدواتها لكي تصل المستهلك بسهولة وأن تدعم حقوقه من خلال القنوات الإعلامية بتنوعها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي