رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مغذيات الفشل الاستراتيجي الأمريكي

يصعب على المرء السوي أن تحدث أحداث جسيمة في بلد عربي وإسلامي، وعلى الحدود مع بلاده كما حدث في العراق خلال هذه الأيام دون أن يتفاعل معها في مشاعره، إيجاباً وسلباً، وتفاؤلاً وتشاؤماً، وفي عقله محاولاً التحليل لمعرفة الأسباب التاريخية، والاقتصادية، والعقائدية التي تحرك مثل هذه الأحداث. ما حدث في العراق حين اجتاحت فصائل المقاومة الموصل، واستولت عليها لا يمكن فصله عما سبقه من أحداث منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، الذي تدثر في البداية بأسباب واهية مثل امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل التي لم تثبت، وإن ثبتت فمن حق العراق وغيره امتلاكها دفاعاً عن النفس، وليس للاعتداء على الغير. والقوة يجب ألا يحتكرها الغرب ليمارس طغيانه وجبروته.
الاستراتيجية الأمريكية إزاء المنطقة العربية لا يمكن فصلها عن استراتيجيتها على مستوى العالم أجمع، إذ إن أمريكا تنظر للعالم بأكمله على أنه ضمن حدود مصالحها وأمنها القومي دونما اعتبار لحقوق الآخرين ومصالحهم، ومعتقداتهم، وكرامتهم، ولا ننسى ما عبر عنه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن حين وصف حربه على العراق بأنها حرب صليبية.
العراقيون وقد رأوا القوات والجنود الأمريكيين يستبيحون بلادهم، ويدمرون ممتلكاتهم، ويتجرأون على أعراضهم، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرحبوا بأفعال كهذه، وإن وجد قلة ممن جاءوا على ظهر الدبابة الأمريكية إلا أن هؤلاء لا يمثلون العراق بعروبته وإسلامه.
الأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية يغذي توجهاتها المدمرة فكر رأسمالي متطرف، بل متوحش إلى حد السعار يقوم عليه أصحاب رؤوس الأموال وملاك الشركات الكبرى، الذين جعلوا من شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لافتات تتزين بها الحملات الانتخابية، ويضرب على وترها الإعلام القوي، والذراع اليمنى التي تسوق سياسات المتنفذين، وصناع السياسة الأمريكية الحقيقيين.
المبدأ النفعي يمثل الآلية التي تتحرك بموجبها السياسة الأمريكية، وتغير بموجبها مواقعها حسب الظروف والمستجدات، وهذا ما حدث بعد احتلال العراق، حيث وجدت في سياسييه من الشيعة وبعض السنة حليفاً يمكن الاعتماد عليه لتحقيق مصالحها وتثبيتها في جزء غني بالثروات في العالم العربي، بل العالم أجمع، لذا سعت بكل جهودها لإيصال المالكي لرئاسة الحكومة، والتجديد له لمرة ثانية، وثالثة، رغم ما حل بالعراق من كوارث أثناء حكمه، وذلك لأنها وجدت فيه الحليف الأمثل الضامن لمصالحها، والمرضي عنه من إيران.
قد يسأل سائل: لماذا لم تغير أمريكا سياستها ومواقفها من المالكي رغم سياساته الرعناء والعدائية نحو مواطنيه؟ لا شك أن هذا سؤال مهم، لكن إذا علمنا أن بيروقراطية اتخاذ القرار تفعل فعلها في كل مكان، كما أن فكر الرأسمالية المتوحش يجعل من الصعب على المستفيدين من الاستثمارات في العراق تغيير سياساتهم التي هي الأساس في صناعة القرار في البيت الأبيض.
لا شك أن تقييد السياسة الأمريكية بما تمليه مصالح الكبار يربك السياسة الأمريكية، خاصة عندما تفاجأ بأحداث لم تتوقعها، كما حدث في العراق حين انهارت المنظومة العسكرية للأمن والجيش، التي صرف عليها 100 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، هذا كما هو معلن، وما خفي أعظم. في أواخر السبعينيات وحين كانت التحضيرات للانتخابات الرئاسية جاء براون حاكم ولاية كاليفورنيا إلى الجامعة التي أدرس فيها، وذلك ضمن حملته الانتخابية كمرشح للحزب الديموقراطي، ومما طرحه أن على أمريكا أن تبني نفسها، وتعتمد على ثرواتها المحلية الهائلة، وتترك العالم لتتفرغ لشؤونها، وقد قال شخص يجلس بجانبي إن هذه مشكلتك، وبالفعل لم يسمح له أصحاب رؤوس الأموال الجشعين بالفوز، ليفوز بالرئاسة ريجان ذو التوجهات العدائية المبنية على معتقدات متجذرة.
إن صلابة الشعوب العربية والإسلامية وإدراكها لما يحاك لها ويخطط لإخضاعها لهيمنة الغرب الطامع في الثروات يمثل عامل تغذية لفشل الاستراتيجية الأمريكية القائمة على تهميش الآخر وحرمانه من خيراته ومنعه من امتلاك عناصر القوة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي