الاستثمار بين الأضداد
يعتبر هورد ماركس أحد أهم من يمارسون الاستثمار بنجاح ويكتب عنه من خلال أطروحات ترسل للمشتركين كل نحو شهرين أو ثلاثة. لعل كتابته من النوع السهل الممتنع- سر الامتناع ليس في اللغة بقدر ما هو محاولة تدوين ممارسة صعبة في عدة سطور، أو حتى محاولة تحويلها إلى معادلة رياضية أنيقة تجمع بين العائد والمخاطرة، وعلى درجة عالية من الموثوقية. تمر السوق السعودية بموجة من المضاربات المحمومة البعيدة عن أي علاقة غير مستقرة بين العائد والمخاطرة حتى لو أردنا قراءتها من خلال العلاقة الطويلة المتعرجة بين الدخل النفطي (الإنفاق) وحجم السوق وآلية حركتها. اخترت هذه الأضداد من رسالته الأخيرة التي تعكس طبيعة التفكير عن الاستثمار في كل زمان ووسط استثماري وليس المضاربات.
الحقيقة الأزلية أن الأداء المتميز في الاستثمار دائما سيف ذو حدين، فحين توظف حدا لا بد من الحذر عن الحد الآخر الذي قد يأخذ نصيبه منك. فالاستثمار رقصة سيوف خطرة خاصة حين تكون الرغبة في العائد المتميز قوية. مراجعة سريعة لهذه الأضداد تركز الأذهان، وتجعل المستثمر دائما واقفا على أطراف أصابعه. لا تخرج إدارة الاستثمار عن خمسة أضداد.
- إذا استثمرت فستخسر إذا انخفضت السوق، ولكن إذا لم تستثمر فستفوتك كل العوائد حين ترتفع السوق. الفرصة البديلة حاضرة دائما، سواء اخترنا الوعي بها أو لم نختره.
- توظيف التوقيت يضيف للعائد إذا تمكن منه، ولكن الشراء للمدى البعيد أفضل إذا لم تُجِدِ التوقيت. الغالبية تسيطر عليها عقلية القطيع، وتعتقد سطحيا أنه بديل عن التوقيت.
- الجراءة تساعد حينما ترتفع السوق ولكنها تؤذي حينما تنخفض السوق، بينما التحفظ يساعد حينما تنخفض السوق ولكن يؤذي حينما ترتفع. المحافظة على التوازن العاطفي والنفسي والقدرة على الوقوف ذهنيا على مسافة واحدة من الجراءة والتحفظ هو ما يميز المستثمر المتمكن.
- إذا كانت المحفظة قليلة التنوع فإن أخطاءك ستفتك بك، ولكن تنوع المحفظة يجعل عوائد الاختيارات الجيدة تقلل العائد الإجمالي على المحفظة. موقعك بين البعدين يعكس خياراتك بين الاستقرار والتذبذب.
- إذا وُظِّف الإقراض فإن نجاحاتك ستتعاظم، ولكن ستتعاظم أخطاؤك أيضاً. الاقتراض يزيد المسافة بين النجاح والإفلاس.
كل هذه الأضداد تحمل درجة عالية من التماثل. العائد نتيجة جمع وطرح التعامل مع هذه الأضداد. طبقا لهورد الشيء الوحيد في الاستثمار الذي ليس سيفا ذا حدين هو مهارة مدير المحفظة. ولعله هنا يغمز لتوظيف محترف، ولكن ما يقوله يرغم كل مستثمر على التروي والتعامل مع حقائق الطبيعة البشرية. للمهارة دائما دور مركزي حين ترتفع السوق أو تنخفض. إدارة هذه الأضداد ومعرفة التوازنات بينها هو الدور الحقيقي للمدير المتميز. وحتى المدير المتميز لن يسلم من الحد الآخر للسيف، وعليه أن تكون ضرباته أكثر من إصاباته.