هل الغرب أكثر إسلامية؟
لعل كثيرين قرأوا أو سمعوا بالعبارة الشهيرة المنسوبة للإمام محمد عبده وهي أو بما معناه "وجدتُ في أوروبا مسلمين بلا إسلام ووجدتُ في بلدي إسلاما بلا مسلمين".
ما القصة؟ وصل كثيرون هذه الأيام وعبر مجموعات "واتس أب" إشارة إلى دراسة قام بها باحثون أكاديميون من جامعة جورج واشنطن الأمريكية قبل سنوات عدة استهدفت أولا تقييم التزام الدول الإسلامية تعاليم الإسلام، وثانيا تطوير ما يمكن أن يسمى مؤشرا إسلاميا اقتصاديا لتقييم مدى التزام البلدان الإسلامية الذاتي تعليمات وقواعد إسلامية.
عمل الباحثين استند إلى قياس التزام 208 دول مبادئ اقتصادية إسلامية، باستخدام كأدوات تمثيل 113 متغيرا قابلة للقياس. وأحد معدي البحث إيراني الأصل، لكني لا أعرف ديانته أو مذهبه.
ووفقا للمعايير التي تبناها البحث، تقبع الدول الإسلامية في مراكز متأخرة ضمن قائمة الدول التي تطبق تعاليم الإسلام في شؤون الاقتصاد وغيره. ما الدول التي تحتل المراكز الأولى؟ وصل البحث إلى أن الدول الاسلامية ليست هي التي تحتل المراتب الأولى في الالتزام بالقرآن، بل حصلت إيرلندا على المرتبة الأولى، تلتها دول كالدنمارك ولوكسمبورج والسويد.
على رأس قائمة الدول الإسلامية ماليزيا، وحصلت على المرتبة 33، والسعودية على المرتبة 91، ومصر على المرتبة 128، وسورية على المرتبة 168، بينما حصلت اليمن على المرتبة 180. وللعلم، حصلت إسرائيل على المرتبة 27.
من بواعث التفكير في البحث هجوم 11 سبتمبر 2001. بعد هذا الحدث، زاد الاهتمام في الغرب بالعلاقة بين الدين والسلوك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وزاد الاهتمام بدراسة تأثير الدين في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. والعكس بالعكس كذلك: تأثير التطورات الاقتصادية وغيرها في الدين والتدين.
ويفسر الباحثون حصول الدول الإسلامية على مراتب متدنية بسبب سوء البنية في تلك الدول من جوانب كثيرة سياسية وغير سياسية.
كثيرون انتقدوا البحث من جانب أنه تبنى معايير وتجاهل معايير. من ضمن المعايير التي تجاهلها البحث محرمات كثيرة في الدين الإسلامي، لكنها مباحة، بل بعضها مشروع في كثير من الدول المدروسة، خاصة تلك التي حصلت على مراتب متقدمة، وهي في الغالب دول غربية.
لكن يمكن الرد على هذا النقد بأن أصحاب البحث حاولوا الاهتمام باستخدام معايير مقبولة أو في حكم المقبولة لدى الجميع، مثل تحقيق العدالة. وزيادة في التوضيح، اهتم معدو البحث بتطبيق إسلام نموذجي، في مجالات متعلقة بمنجزات المجتمع الاقتصادية والحوكمة وحقوق الإنسان، لكن تبقى مشكلة بعض التفاصيل في هذه القضايا. فقد تعد بعض الجزئيات والفرعيات حقوقا لدى بعض الناس، ولا تعد كذلك من منطقات دينية.
الإشكالية الكبرى، كما أراها، أننا قوم يغلب علينا أو يكثر فينا جدا قول ما لا نفعل، وفعل ما لا نقول "يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون". ورغم ذلك فوصف مسلمين، بل مؤمنين بقي. هذا يعني، في فهمي، أن المعايير التي تبناها البحث تعتبر أقل أهمية دينيا لدينا نحن المسلمون.
أتوقع أن البحث جر ويجر إلى نقاش ذي طبيعة فلسفية في أهمية الدين في تشكيل السلوك. وحتى لا يساء الفهم، ليس البحث أول من جر إلى هذا النقاش.
كثيرون لا يرون رابطا بين القيم الجيدة ودين بعينه. يقولون، انظر إلى اليابانيين مثلا، لديهم قيم عالية، رغم أنهم يفتقرون إلى دين سماوي.
من المهم جدا أن ندرس جيدا سبب الفجوة بين القول والعمل في بيئتنا وبيننا، وهو مظهر نفاقي قوي. تنهمر على كثيرين منا رسائل في مجموعات واتس أب، وتمتلئ تلك الرسائل بالتعليمات والنصائح والإرشادات والتنبيهات... إلخ. حينما تدقق في مرسليها، وعادة أو كثيرا ما يكونون معروفين جيدا لدى المرسل إليه، تجد أنهم غالبا لا يطبقونها، بل تجد أن سلوكهم على خلاف كثير منها. ما أصل المشكلة؟ قضية كبرى.