ما حقيقة الوفر النفطي؟
كثيرا ما نقرأ ونسمع ويقال عما يمكن أن نطلق عليه وفرة المصادر النفطية. وهي محاولة لتخفيف وطأة الخوف من نضوب نفطي مبكر قد يعرقل مسيرة الاقتصاد العالمي. والقصد من إشاعة مثل هذه الأفكار هو أن العالم لا يزال بخير بوجود كم هائل من النفوط التقليدية وغير التقليدية المكلفة القابلة للإنتاج. ويبلغ مجموع الاحتياطي المثبت والقابل للإنتاج من كافة أنواع النفوط، حسب الإحصاءات المتوازنة، ما يربو على ثمانية تريليونات برميل، قد تنقص وقد تزيد. ولا نشك في أن الكثيرين يدركون أن نفوطنا التقليدية متدنية التكاليف هي في طريقها إلى النضوب. ليس لأي سبب سوى أنه الأرخص والأسهل إنتاجا، وهو أمر منطقي في غياب أي حمية وطنية من جانبنا. وسؤالنا لأولئك الذين يعتقدون بوجود كميات هائلة من الاحتياطي النفطي، نقول لهم ما هي فائدتنا نحن الخليجيين من مصادر خارج حدودنا، في وقت لن نحلم فيه بأي دخل مالي بعد نضوب ثرواتنا؟ أي أننا في ذلك الوقت سوف يرثى لحالنا العدو والصديق، ولن نستطيع شراء وقود ولا غذاء، إذا ظلت أحوالنا على ما هي عليه اليوم من اتكال كلي على المداخيل النفطية. ونحن لا نرى أملا على المدى القريب في تحويل مجتمعاتنا إلى أمة منتِجة تأكل وتشرب وتلبس من صنع أيديها وعرق جبينها. فالأولى أننا نحافظ على ما بين أيدينا ونحاول إطالة عمره قدر المستطاع ونتخلى عن الإسراف وعيش الرفاه المصطنع الذي نمارسه اليوم بكل زهو. ولو وضعنا صورة المستقبل أمام مخيلاتنا وأدركنا أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل سوف -لا قدر الله- يكون أسوأ بكثير من حالة أجدادنا زمن الفقر والفاقة، لربما تغيرت أمور كثيرة في حياتنا المعاصرة.
وحتى نكون على علم بطبيعة الاحتياطيات النفطية الهائلة التي يتحدثون عنها، دعونا نلقي نظرة سريعة على مكوناتها وأماكن تجمعها وطرق إنتاجها، وهل هو اقتصادي في جميع الحالات أم في بعضها بموجب الظروف الاقتصادية الحالية. وكما ذكرنا آنفا، هناك مصادر نفطية تقليدية وأخرى غير تقليدية. والتقليدية هي التي يكون إنتاجها عن طريق حفر الآبار والإنتاج مباشرة دون الحاجة إلى عمليات إضافية مكلفة كعملية التكسير الهيدرولوكي. وكمية إنتاج بئر النفط التقليدي تفوق بكثير إنتاج غير التقليدي ويدوم عشرات السنين. وأقرب مثال لذلك نفوط منطقة الخليج والشرق الأوسط عامة. ويقدر الإعلام المكتوب احتياطيات النفط التقليدي بما يقارب تريليون وستمائة مليار برميل. ويشمل هذا التقدير ثلاثمائة وتسعين مليارا من كميات النفوط غير التقليدية التي أضافتها أخيرا فنزويلا وكندا إلى التقليدي بقرار فردي. فيبقى من التقليدي ذي التكلفة المتدنية تريليون ومئتان وعشرة مليارات برميل. وفي الواقع أنه حتى هذا الرقم مضخم بنسبة كبيرة لأسباب قد تكون سياسية. ويخضع معظم تلك الاحتياطيات لستار كثيف من عدم الشفافية التي ليس لها ما يبررها. وعلى وجه العموم، فالاحتياطي المتبقي من التقليدي الرخيص لا يمثل إلا نسبة تقل عن 15 في المائة من الاحتياطي العالمي من النفوط بأنواعها القابلة للإنتاج بطرق مختلفة، تقليدي وغير تقليدي، بصرف النظر عن كون إنتاجها اقتصاديا في الوقت الحاضر أم غير ذلك.
أما فيما يخص النفوط غير التقليدية فهي توجد على هيئة سوائل ثقيلة، أي عالية الكثافة بحيث لا تستطيع الجريان بدون إضافة مواد مساعدة على تخفيض الكثافة وربما التسخين. وقسم منها من نوع يشبه "القار" وملتصق بحبيبات الرمل، ويسمى بالرمال النفطية. وقسم كبير من هذا النوع موجود على سطح الأرض في كندا. ولعل أشهر وأفضل النفوط غير التقليدية ما يسمى بالنفط الصخري. وقد أمكن إنتاج النفط الصخري في أمريكا بتكلفة تتراوح بين 70 و 90 دولارا للبرميل. ومع ذلك ورغم اكتشاف كميات كبيرة من النفط الصخري خارج أمريكا، إلا أن إنتاجه غير مجدٍ اقتصاديًّا في الوقت الحاضر قبل أن ترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة. وذلك لأسباب لوجستية وبيئية. والوضع الحالي بالنسبة لإنتاج النفط الصخري هو " خصوصية أمريكية "، ليس هذا مجال شرحها. وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية احتياطي النفط الصخري في العالم تقديراً مبدئيًّا بما يقارب 345 مليار برميل. ويأتي في المرحلة التي تلي النفط الصخري، ما يسمى بالصخر النفطي. وهو عبارة عن مادة عضوية صلبة "كيروجين" مختلطة مع الصخور بنسب مختلفة. وفي الغالب يوجد الصخر النفطي فوق أو قريب من سطح الأرض، بحيث يمكن تجميعه بواسطة الجرافات ثم نقله إلى مرافق الحرق والتكرير في جو خال من الأكسجين، وتحويله إلى الحالة السائلة. وإنتاجه اقتصاديًّا يتطلب صعود الأسعار إلى مستويات أعلى بكثير من الأسعار الحالية. ويتميز إنتاج النفوط غير التقليدية بتكلفته العالية وضآلة كمية الإنتاج. والنفط التقليدي الرخيص يمثل ما لا يقل عن 80 في المائة من الإنتاج العالمي اليوم من السوائل النفطية. ومن الملاحظ أن الذين لا يؤمنون بما يسمى ذروة الإنتاج النفطي، يحتجون بوجود هذه الكميات الكبيرة من الاحتياطيات "غير التقليدية" التي سوف فقط تقوم بتلبية جزء يسير من الاحتياجات العالمية. وفي الواقع أن ذروة الإنتاج لا علاقة لها بكميات الاحتياطي العام مهما بلغ مستواها. فالعبرة بالمقدرة على توفير الإنتاج الذي يفي بمتطلبات المجتمع الدولي.
والشاهد هنا أن الاحتياطيات النفطية غير التقليدية التي توجد خارج حدود بلادنا ربما تدوم مئات السنين، ولكن لن يكون لنا منها نصيب لأننا لا نملك منها برميلا واحدا. ولن يكون في مقدورنا استيراد أي كمية منها بعد نضوب نفطنا وتوقف دخلنا، إذا استمر وضعنا الحالي دون دخل مستقل عن المداخيل النفطية، وهو ما لا أمل فيه.