رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ماذا لو منح الأغنياء كل مالهم للفقراء؟

الأغنياء بصورة عامة هدف النقد والهجوم حتى في النظام الرأسمالي الذي يرى فيهم خيرا وبركة لأنهم – حسب وجهة نظر منظري هذا النظام – يزيتون عجلة النمو الاقتصادي ويسهمون في توسيع وتحسين الخدمات العامة والتشغيل وزيادة الثروة للطبقات الفقيرة ذات الدخل المحدود.
ويتعثر حظ الأغنياء حتى في الكتب التي يراها أصحابها أنها من السماء. الويل والثبور ينتظرهم إن لم ينفقوا ثروتهم في سبيل النفع العام ويجعلوا منها وسيلة لإسعاد الفقراء وتعزيز ركن الدين.
مهما يكن من أمر فإن مسألة الغنى والأغنياء وتكديس الثروة لدى أقلية صغيرة من البشر ربما لم تكن مثار نقاش وجدال كما هي اليوم، ولا سيما بعد صدور كتاب عالم الاقتصاد اللامع توماس بيكتي الذي يقرع فيه الجرس وبقوة منبها إلى خطورة المسارات التي بدأت تتخذها الثروة في عالمنا هذا.
بيكتي وفي كتابه الذائع الصيت "رأس المال في القرن الواحد والعشرين" يحاول من خلال التجربة والبرهان والدليل والأرقام والقصص والحديث والخطاب القول إن الهوة بين الأغنياء والفقراء بدأت تتسع بشكل خطير مما قد يكون له عواقب وخيمة على المجتمع برمته، المتطور الذي هو في طور التطور والذي لا يزال يراوح مكانه. فهو لا يقول أبدا لنأخذ مال الأغنياء ونمنحه للفقراء، بل يقول علينا مراقبة الثروة، ولا سيما التي يكونها أصحابها دون تقديم خدمة نافعة للمجتمع، وبالخصوص الأثرياء الذين كونوا ثروات هائلة دون تعب وشقاء وعناء، وذلك من خلال المضاربات والتلاعب برأس المال كما فعلت المصارف الأمريكية والغربية في عام 2008، وأدى ذلك إلى أزمة وهزة مالية كبيرة ومع ذلك جرت مكافأتها بإغداق المساعدات عليها بدلا من معاقبتها.
ويقدم الكاتب – الذي عرضنا كتابه ببعض التفصيل في هذا العمود – طرائق وحلولا واقتراحات لكيفية جعل الثروة التي يحصل عليها الفرد دون عناء وتقديم خدمة نافعة للمجتمع ويقترح إخضاعها لضريبة تصاعدية على مستوى العالم تشمل حتى الميراث والوارث، لأنه حسب وجهة نظره لا يجوز أن يغتني المرء دون عناء وتقديم خدمة نافعة.
والكتاب اشتهر بسرعة مذهلة ويتربع الآن على رأس قائمة المبيعات في لغته الأصلية الفرنسية والترجمات العديدة له وصاحبه صار نجما وهو اليوم يجوب الدنيا شارحا نظريته، علما أن الكتاب ثخين جدا وكثير من جوانبه أكاديمي صرف.
وكما هو شأن أي فكر مؤثر فإن الكتاب أحدث فرزا على مستوى العالم، حيث تلقفه التيار الليبرالي واليساري ورفعه في وجه الأغنياء، وانهال عليه التيار اليميني نقدا وتجريحا ورفعه دليلا في وجه اليسار وأمنياته الطوباوية ورغباته في الحصول على ما لا يستحقه.
في أمريكا رأت فيه إدارة أوباما وحزبه الديمقراطي برهانا على النهج الذي يرى زيادة الضرائب على الطبقات المترفة وتحسين وتوسيع الخدمات العامة لتحقيق مجتمع الرفاهية، بينما شن الجمهوريون واليمينيون هجوما لاذعا على الكاتب وكتابه متهمين إياه بأنه يريد إلغاء كل المنافع التي أتت بها الرأسمالية.
وكذلك في بريطانيا حيث تلقفه اليسار المتمثل في حزب العمال بسعادة ونظر إليه اليمين المتمثل في المحافظين نظرة ازدراء واحتقار.
وعلى المنوال نفسه انقسم الإعلام حول محب ومزدر لبيكتي وكتابه. فصحف مثل "الجارديان" و"نيويورك تايمز" و"الإنديبندت" ما زالت تتابع الكتاب وكاتبه فلا يمضي أسبوع إلا وهناك مقال إيجابي عنه.
من الجانب الآخر هناك نقد لاذع للكتاب من قبل "فاينانشيال تايمز"، "وول ستريت جورنال" وغيرهما من أمهات الصحف أو المجلات التي تقع أو تقترب من المنهج ذاته.
أما في شمال أوروبا حيث الدول الاسكندنافية – دول الرخاء والرفاهية للكل – فكان للكتاب شأن مختلف، حيث ظهر ملخص له باللغة السويدية بعد صدوره مباشرة، واليوم هناك ترجمة كاملة للكتاب بصفحاته التي تنيف على 700 وبسعر رمزي كي يقرأه أغلبية الناس. وسنأتي إلى ذلك في الأسبوع المقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي