قبول الهند بشخصيتها الحضرية مفتاح حصد الفوائد
أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت ناريندرا مودي يُسجّل هذا النصر الساحق في الانتخابات العامة الشهر الماضي، هو أيضاً أحد الأسباب الأقل إدراكاً: الهند منطقة حضرية، أكثر بكثير مما ترغب بالاعتقاد.
وفقاً لإحصائيات رسمية، ناهيك عن فكرة الحنين في الهند لاعتبار نفسها بلاداً "تعيش بشكل أساسي في قراها"، فإن أكثر من 30 في المائة من سكانها هم حضريون.
هذا الرقم أقل بشكل كبير من الرقم الحقيقي. إذا تم تعريف الهند "الحضرية" من خلال الكثافة السكانية، وأنها تتضمن "قرى" سابقة، تم قلب الحياة فيها رأساً على عقب من خلال الطرق والإنترنت والقنوات الفضائية وتوفير فرص عمل غير زراعية، فإن أكثر من 70 في المائة من المواطنين، يعيشون شيئا يُقارب "الحياة في المدينة".
أدرك مودي، رئيس الوزراء الجديد، هذا. وقد استغل الشعور الطموح للتحضّر السريع بإحداثه، عكس حزب المؤتمر الأبوي الذي لم يفعل، فقد واصل الحديث إلى القرى، بعد أن فشل في إدراك أنه كان يخاطب دائرة انتخابية متضائلة.
حتى الإحصائيات الرسمية ملفتة للنظر. في عام 1951، كانت هناك خمس مدن فقط بعدد سكان يفوق المليون، ومجرد 41 بلدة بعدد سكان ضئيل يفوق 100 ألف نسمة. في ذلك الوقت، كان معظم سكان الهند البالغ عددهم 360 مليون نسمة يعيشون في 560 ألف قرية.
الآن يوجد على الأقل 53 مدينة، أو "تجمعات حضرية"، كمصطلح يستخدمه علماء السكان، بعدد سكان يفوق المليون، وهناك أكثر من 10 ملايين نسمة في ثلاث مدن. بحلول عام 2031، سيبلغ عدد سكان ست مدن: مومباي ونيودلهي وكولكاتا وتشيناي وبنغالور وحيدر أباد – ما بين 10 ملايين إلى 30 مليون نسمة في كل منها.
اليوم، فإن المدن ذات الأسماء غير المعروفة مثل كوزيكود، وفيجاياوادا، وجامشيدبور، انضمت إلى مدن مثل فيلادلفيا وبرشلونة، ضمن مجتمعات يزيد عدد سكانها عن المليون. ومن المتوقع أن يصل عدد سكان الهند، الذي هو الآن 1.2 مليار، إلى ذروته في عام 2050 ليبلغ 1.6 مليار.
التطورات المثيرة للاهتمام بالفعل تحدث خارج المدن الكبيرة. يُعرِّف خبراء الإحصاء في الهند "المنطقة الحضرية" بأنها تعني مكاناً يوجد فيه أكثر من خمسة آلاف شخص؛ و75 في المائة من سكّانه الذكور، على الأقل، يعملون في وظائف غير زراعية؛ وبكثافة سكانية تبلغ أكثر من 400 شخص لكل كيلومتر مربع.
إذا تم احتساب الكثافة وحدها، عندها، بحسب تعداد سابق يعود لعام 2001، فإن 68 في المائة من الهنود، كانوا بالفعل حضريين.
في الواقع، تتشكل التغييرات الأكبر في البلدات والمساحات شبه الحضرية، حيث تمتزج الهند الريفية والحضرية مع بعضها بعضاً. يقدّر راجيف كومار من مركز أبحاث السياسة في نيودلهي، أن أكثر من نصف السكان الذين يعيشون في ما يسمى قرى، يحصلون على جزء من دخلهم على الأقل من أنشطة غير الزراعة.
يومناجي جولي، الذي دفعه الجوع قبل 40 عاماً إلى الخروج من قريته ماهاراشترا للعمل في مومباي، في توصيل صناديق وجبات طعام الغداء الخفيفة، يقول: إن الشباب في هذه الأيام، يفضلون العمل في المصانع التي أخذت تظهر بالقرب من قريته.
إذًا، الهند حضرية أكثر مما تعترف. وهذا له آثار كبيرة، خاصة للشركات، التي قد تجني الكثير من الأموال، إذا تمكنت من توقّع احتياجات الطبقة الطامحة الجديدة -من مستلزمات الحمامات إلى السيارات.
من الجانب الإداري، أيضاً، هناك تحديات وفرص حيوية. بدايةً، يجب بذل المزيد من الجهود في تخطيط المدن. لم يعُد باستطاعة البلاد التظاهر بأن الظروف الحضرية السيئة مؤقتة، وأن بإمكان المهاجرين ببساطة العودة إلى قراهم الرئيسة.
الشيء نفسه ينطبق على النقل، إضافة إلى الإسكان والطرق والصرف الصحي. من بين المدن الـ 53 التي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة، هناك ثمانية فقط لديها سلطات نقل متكاملة، وذلك وفقاً لجيسيكا سيدون، وهي اقتصادية مقرها في "تشيناي".
لقد تم السماح للمدن بالامتداد عشوائياً، الأمر الذي حرمها من الكفاءة، من حيث التكاليف واستخدام الطاقة التي يمكن أن تنتج عن الكثافة.
كذلك لم يتمكن توفير الرعاية الاجتماعية، الذي لا يزال في الغالب موجهاً للقرويين الفقراء، من إدراك الحقائق السكانية الجديدة. وستكون مهمة خلق الظروف لعدد كافٍ من فرص العمل في المناطق الحضرية، وهو واحد من أهم الوعود الانتخابية التي قدمها مودي، مهمة حاسمة أخرى.
إذا قطع معظم الرجال، ونصفهم تحت سن 26، صلتهم بحياة القرية، سيصبحون محبطين، ومن المحتمل خطرين في حال لم يعثروا على عمل مربح. بدون وظائف، قد يصبح الفائض السكاني المفترض أشبه بقنبلة موقوتة. كذلك يمكن أن يتزايد عنف الذكور بسبب عدم التوازن الجنسي الناتج عن عمليات الإجهاض الانتقائية للأجنة الإناث.
من ناحية أخرى، تتغيّر الأعراف الاجتماعية مع تحرّر المزيد من الأشخاص من تأثير القرى المحافظة. حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي يتبعه مودي، ليس معروفاً بكونه متقدماً اجتماعياً، وحتى لا يكون هناك رد فعل عنيف من المحافظين على مثل هذه التحولات، سيكون على رئيس الوزراء، توجيه حزبه نحو قدر من التسامح.
إذا تمت إدارة ذلك بشكل صحيح ودعمه بقوانين مناسبة، "يمكن أن تكون المدن بمثابة محركات للحد من الفقر" في البلاد، وذلك بحسب تعبير المعهد الهندي للمستوطنات البشرية.
اكتشفت بلاد مثل الصين، أن التحضّر يمكن أن يفعل المعجزات فيما يتعلق بنمو الإنتاجية وخلق الثروة. إن أكبر 53 مدينة في الهند، موطن لـ 13.3 في المائة من السكان، وتحتل 0.2 في المائة فقط من الأراضي، وتنتج حدها نحو ثُلث الناتج الوطني. كما أن أكبر 100 مدينة تنتج 43 في المائة، منه.
يدين مودي بوظيفته في جزء كبير من ذلك إلى صفوف المتحضرين الجُدد، وينبغي عليه الآن أن يجعل مهمته دفع مدن الهند إلى أن تلعب دورها.