رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أخطاء قاتلة في تصميم الاستبيانات

برز على الساحة أخيرا اختلاف كبير بين نتائج استبيانين هدفهما واحد، وهو قياس رضا العملاء عن أداء وكلاء السيارات في المملكة، حيث أظهر استبيان وزارة التجارة أن 67 في المائة من المشاركين غير راضين عن أداء تلك الوكالات، بينما كانت نتيجة استبيان وكلاء السيارات، من خلال شركة متخصصة في استطلاع الرأي العام، تشير إلى أن نسبة الرضا تبلغ 78 في المائة. هذا يعني - تقريبا - أن نسبة عدم الرضا بحسب وزارة التجارة تفوق ما توصل إليه استبيان وكلاء السيارات بنحو 200 في المائة! الهدف من هذه المقالة التطرق بشكل عام لأهم الأخطاء التي تُرتكب في إجراء الاستبيانات، علما بأني لم أطلع على أي من الاستبيانين لعدم توافرهما، كما أني لا أزعم أني متخصص في هذا المجال، ولكن بحكم الدراسة والخبرة تكون لدي مفهوم عام عن أساليب إعداد الاستبيانات السليمة وكيفية تجنب بعض الأخطاء الجسيمة التي من الممكن أن تؤدي إلى نتائج غير صحيحة.
يبدأ مسلسل الأخطاء في تحديد الهدف من الاستبيان ودوافع الجهة المتبنية للاستفتاء. في هذه الحالة، الهدف من الاستبيانين واضح، وهو قياس رضا العملاء، ولكن دوافع كل جهة ليست بالوضوح نفسه. الدافع المشترك بين الاستبيانين يبدو أنه الوصول إلى قياس محايد لنسبة الرضا أو عدم الرضا للاستفادة منه في تحسين جودة الخدمات المقدمة من قبل الوكلاء. إلا أنه معروف في علم الإحصاء أن التجارب الميدانية تنطلق من فرضية معينة يكون الهدف منها الخروج بنتيجة محددة، إما نفي الفرضية أو القول إنه من غير المستطاع نفي الفرضية. على سبيل المثال، قد تكون فرضية وزارة التجارة أن هناك عدم رضا عن خدمات وكلاء السيارات، وتسمى هذه الفرضية بفرضية العدم، عندها يكون الهدف من الاستبيان عدم رفض هذه الفرضية، أي أنه من الممكن أو المعقول أن هناك عدم رضا. أما استبيان وكلاء السيارات فقد تكون فرضيته أن هناك رضا بين العملاء عن الخدمات المقدمة لهم، ويكون الهدف من الاستبيان عدم رفض هذا الافتراض. وبالإمكان عكس الفرضيتين لكل جهة، ولكن تبقى الطريقة واحدة، وهي إما رفض الافتراض أو القول إنه لا يمكن رفضه. لذا فإن رفض الفرضية أسهل بكثير من إثباتها، وهذه نقطة فلسفية لن أتوسع فيها هنا، وهي تعني أن المفترض أن يُبنى استبيان وزارة التجارة على فرضية أن هناك رضا من قبل العملاء، فيصبح من الممكن رفض ذلك من خلال الاستبيان، أي أنه ليس بصحيح أن هناك رضا من قبل العملاء. وبالمقابل، يُبنى استبيان الوكلاء على فرضية أن هناك عدم رضا، وتكون مهمة الاستبيان رفض ذلك، أي أنه ليس بصحيح أن هناك عدم رضا من قبل العملاء.
أبرز الأخطاء، بلا منازع، هو اختيار العينة العشوائية، حيث يعتقد البعض أنه طالما أن هناك عددا كبيرا من المشاركين فالنتيجة ستكون سليمة، وهذا غير صحيح، بل إن من عجائب الإحصاء أن عينة صغير جدا من الممكن أن تكون كافية، متى تم انتقاؤها بعناية. المقصود بالعينة الكافية هو أن عدد المشاركين في الاستبيان يكفي لتعميم النتيجة على الكل. في حالة عملاء وكلاء السيارات، العينة عبارة عن عدد قليل من العملاء بحيث تكون آراؤهم حول الخدمة ممثلة لجميع عملاء الوكلاء. وتحديد عدد أفراد العينة يعتمد على عدة عوامل، أهمها نسبة الخطأ المقبولة، مثلا القبول بنسبة 5 في المائة بأن نتيجة الاستبيان لا يمكن الاعتماد عليها، وكلما أردنا تقليص نسبة الخطأ احتجنا إلى عدد أكبر من المشاركين. كذلك هناك احتمالية الوقوع فيما يعرف بالخطأ من الدرجة الأولى (مثال ذلك أن يدان شخص بجريمة لم يرتكبها) والتي من الواجب تقليص احتمال وقوعها قدر الإمكان وتؤثر بشكل مباشر على حجم العينة المطلوبة، ومثلها احتمال الوقوع في الخطأ من الدرجة الثانية (كأن لا تتم إدانة من ارتكب الجريمة بالفعل)، إلى جانب عوامل أخرى الهدف منها تقليص نسبة الخطأ في الاستبيان، بحيث إننا لو قمنا بعمل الاستبيان عدة مرات، نتوقع أن تكون النتيجة متقاربة جدا. أما اختيار أفراد العينة فهو خطأ متكرر، كأن توجه أسئلة ذات طابع معين لأشخاص لا يمثلون الشريحة السكانية المستهدفة، ويحدث ذلك نتيجة عدم العناية باختيار المكان والزمان المناسبين.
الخطأ الآخر في إعداد الاستبيان هو ما يعرف بالأسئلة الموجهة، وهي تأتي بسبب عدم خبرة معد الاستبيان وحماسه المفرط في إثبات توقعاته. على سبيل المثال، لو أن أحد الاستبيانين طرح السؤال التالي: هل تنتظر وقتا طويلا للحصول على الخدمة؟ فمن الواضح أن السائل لديه افتراض أن وقت الحصول على الخدمة طويل، وهذا قد يؤثر على تفكير المجيب عن السؤال. الأفضل أن يكون السؤال: ما تقييمك للوقت اللازم للحصول على الخدمة، بطيء أم سريع أم متوسط؟ كذلك بعض الأسئلة تبدأ بمقدمة الهدف منها إيضاح السؤال، غير أنها تحتوي على قدر كبير من التحيز لفكرة ما، كما في هذا السؤال: إن تكلفة الصيانة تعتبر من أهم التكاليف الواجب على مالك السيارة أخذها بعين الاعتبار، فهل أنت راض عن تكلفة الصيانة الدورية التي تتلقاها؟ وهذا النوع من الأخطاء - بالمناسبة - يكثر في الفتاوى الشرعية حيث يبدأ السائل بمقدمة لا تخلو من الإيحاء والتحيز والاستفزاز بشكل يؤثر كثيرا في نتيجة الفتوى.
لذا فإن هناك عددا من العوامل الواجب مراعاتها عند القيام بعمل الاستبيانات كما ذكر أعلاه، إضافة إلى تجنب طرح سؤالين في سؤال واحد، وتجنب عدم طرح خيارات كافية للإجابة عن السؤال، وافتراض أن المشارك على علم بفكرة معينة أو حدث معين وعدم إيضاح ذلك في السؤال، إلى جانب ضرورة تجربة الاستبيان قبل نشره لتحديد الصعوبات التي تواجه المشاركين وتلافيها.
ختاما، هذه مجرد بعض النقاط الواجب مراعاتها عند إعداد الاستبيانات، وكذلك للاستفادة منها في معرفة الاستبيانات المبنية على أسس سليمة وتمييزها عن غيرها مما أعد بطريقة ضعيفة. وأكرر مرة أخرى أنني لم أطلع على الاستبيانات التي تمت بخصوص وكلاء السيارات، لعدم توافرها، وإن هذه نقاط عامة لمجرد الاستفادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي