كليات الأعمال .. في عصر الابتكار وريادة الأعمال
برغم أن الدول المتقدمة تطلق الكثير من الإحصائيات السلبية التي تُنبئ بفشل مشاريع الابتكار وريادة الأعمال، إلاّ أن كليات الأعمال تحقق على الأرض نتائج مذهلة ليس في الدول المتقدمة، وإنما أيضاً في الدول الناشئة والنامية.
في المملكة العربية السعودية اتجهت بعض الجامعات في السنوات القليلة الماضية إلى تأسيس كليات الأعمال ودعمتها بسلسلة من البرامج الأكاديمية والتدريبية الواعدة، وراهنت على نجاحها في سوق العمل، وفعلاً حققت هذه الكليات الوليدة الكثير من النجاحات، واستطاعت أن تقدم لسوق العمل نماذج من الكفاءات القادرة على الابتكار والإبداع.
ونذكر -على سبيل المثال- أن جامعة الملك عبد العزيز بجدة تحتفل بمناسبة مرور ثلاث سنوات على تأسيس كلية الأعمال.
وبداية نعترف بأن الكلية هي فرع في جامعة مرموقة متعددة الثمار أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولذلك فإن كلية الأعمال استطاعت أن تحقق درجات عالية من التميز سواء في المجال الأكاديمي أو بالنسبة للأنشطة الطلابية المتنوعة.
والحديث عن كلية الأعمال اليافعة يستوجب الحديث عن الأصل، عن جامعة الملك عبد العزيز التي تعد من الجامعات المعدودة ليس في المملكة العربية السعودية، ولكن في المنطقة العربية برُمّتها.
وبهذه المناسبة فإنني أشيد بالسياسة الحكيمة التي وضعها معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور أسامة طيب والتي كانت بمثابة الأرضية الخصبة التي قامت عليها هذه الكلية الفتية فأينعت بما رحبت وأبدعت بما وسعت.
إن أهم ما يميز كلية الأعمال هو المستوى المهني والأكاديمي الرفيع الذي تميز به خريجو الكلية، فقد أشاد مسؤولون في سوق العمل السعودي بخريجي الكلية وأثنوا على المستوى السلوكي والمهني والأكاديمي الذي ظهر به هؤلاء الأشاوس، والكلية اليوم تبدو -كما الماركة- في سوق العمل، وأصبح الطلب على خريجيها من أهم مميزات البرنامج العلمي المتقدم الذي تقدمه الكلية.
إن كلية الأعمال -كما أرادها -عميدها الدكتور عبد الإله ساعاتي تقوم على أربعة أجنحة: الجناح الأول نشر وتشجيع ثقافة الإنجاز، ثم المبادأة بالابتكار وتقديم الحلول غير التقليدية، والعمل بروح الفريق الواحد، والحرص على تقديم الخدمة لمجتمع سعودي أقل ما يجب أن نقدمه هي الخدمة المميزة.
لقد حققت كليات الأعمال في الغرب إنجازات علمية متميزة، بل إن بعض الجامعات الكبرى مثل: "هارفارد" و"استانفورد" و"بنسلفانيا" و"ديوك" طورت مناهج كليات الأعمال وأعطت استقلالية كاملة لكليات الأعمال التي درجت على إعادة هندسة مناهجها وأنظمتها لتخريج العقول النادرة والقادرة على صنع المال والرجال، ونتيجة لذلك بدأت هذه الكليات تحتل الصدارة بين كليات القمة في الولايات المتحدة وفي بعض دول الاتحاد الأوروبي.
وإذا كان الطلب على حاملي إدارة الأعمال يتزايد، فإن الطلب على كليات الأعمال بدأ يتزايد من قبل الطلاب الذين يستهدفون التأهل الأكاديمي للعمل في المؤسسات المالية والبنوك وشركات التسويق والعلاقات العامة والتأمين والشركات الكبرى متعددة الجنسيات.
إن دور كليات الأعمال في التنمية المستدامة .. دور لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه من الكليات التي تهتم بالجانب العملي والتنفيذي جنباً إلى جنب مع اهتمامها بالجانب العلمي والأكاديمي.
وترتهن كليات الأعمال على "الإدارة" كأساس لتحقيق النجاح في سوق العمل؛ ولذلك هم يؤكدون أن الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد الدولي في عام 2008 سببها الفشل الإداري في البنوك والشركات متعددة الجنسيات، وهذا الفشل أدى إلى التورط في مديونيات هائلة لا مبرر للتورط فيها.
ونتيجة لتخريج الكوادر الكفؤة من كليات الأعمال بدأ الطلب في الشركات الكبرى والبنوك يتزايد على المديرين التنفيذيين القادرين على إحداث نقلات حقيقية في أداء وإدارة الشركات والمصارف الكبرى.
تقول جانا كيرستد مديرة العمل في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد: إنه على الرغم من أن عودة الشركات المالية إلى تألقها أسرع مما كان متوقعا؛ فقد اضطرت البنوك إلى تكثيف التوظيف هذا العام من حملة مؤهلات إدارة الأعمال.
إن العالم بدأ يدرك أن السبيل إلى تحقيق النمو الحقيقي هو الاهتمام بقطاع الأعمال؛ ومن بوابة إدارة الأعمال تحقق الدول الناشئة مثل كوريا الجنوبية والصين وسنغافورة والبرازيل والهند حاليا معدلات عالية في نمو الناتج القومي الإجمالي؛ وفي كلية فودان لإدارة الأعمال في شنغهاي تشهد الكلية طلبا متزايدا على حملة شهادات إدارة الأعمال؛ ويقول جين هوانج رئيس مكتب تطوير السير العملية في كلية فودان: إنني ألاحظ أن الشركات متعددة الجنسيات لديها موظفون أمريكيون وأوروبيون وتريد الآن توظيف المزيد من الآسيويين الحاملين لشهادة إدارة الأعمال.
إن المستقبل يعد كليات الأعمال بمزيد من الأداء ومزيد من النجاح الذي سيكون عدة وعتاد مجتمع المعرفة السعودي الذي ننتظر منه أن يتقدم بالاقتصاد الوطني إلى مرافئ اقتصاد المعرفة.