رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التربية ثم التعليم

في كتاب الله الحكيم "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" هذه قصة نهضة، وقيام حضارة، من خمط وأثل، ورمل لعوب، لا يستقر عليه خف ولا حافر، الروح كانت أولا يتلو عليهم آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق من حولهم، ويزكيهم.. يطهرهم من جاهليتهم وعصبيتهم وظلمة قلوبهم وعقولهم.. وحين ذاك تتنزل عليهم المعرفة وحكمة السلوك والفعل، وبهذا كانت خير أمة أخرجت للناس.
ربما نال الإنسان علما ومعرفة دون طهارة الباطن، ودون تهذيب السلوك حين ذاك سيفقد أثمن ما يملك، سيفقد إنسانيته، وسيتحول علمه إلى - أداة قوية وقاتلة في يد إبليس - الطبيب يتاجر بالمرضى، والمحامي يمارس النصب والاحتيال، والقاضي يرتشي ويبيع ضميره لمن يدفع ثمنه، وحامل القلم يتحول إلى راقصة في المواخير السياسية. كل العلوم تستثمر للقتل، وللحروب، ولغواية المضي فيها بكل شراسة وقسوة ودون رحمة. فبهذا وحده لا تتوقف صفقات السلاح، ولا تهدأ مصانعها من ضجيج طحن عظام أطفال ضحاياها.
هنالك أمم تحلم ثم لا تستيقظ لتحقق حلمها، الذين جعلوا الطفولة تغادر أطفالنا، قبل أن يبلغوا الحلم وقبل أن تنتهي إلى عقولهم دلالة الموت جعلوه أقوى حضورا من حياتهم بحاضرها ومستقبلها.
أحسب أن قصورا أوسع وأعمق وأبعد منهم يتمظهر جليا في مناهج تقتات على التلقين، ويغيب عنها أصول تكوين - الإنسان - والتربية المدنية - مدنية الإنسان - التي تتقدم على مدنية العمران.
قيم احترام الوقت، قيم تقبل النقد الإيجابي والتفكير في مدلوله، قيمة الصمت الذي يفسح للنفس مكانا تمتلئ به، وترتوي بما حولها منه. وقيمة احترام الآخرين الذي يبدأ من المفردة ولغة الخطاب والإشارة والسلوك، وحرية التعبير عن المشاعر بكل تضادها. وتقابلها، في سرورها، وحزنها، في غرورها وتواضعها، في نشوة النصر، وفي ذل الهزيمة. في فهم الشعور الذي يعيشه وفهم حقيقته وطبيعته وسببه.
كل هذا وكثير غيره، يجعلنا بحاجة إلى مناهج تطبيقية، وتدريبية، وهذا لن يتحقق من خلال التلقين، ولا من خلال رواية الفضيلة في كتاب القراءة. فالفضيلة لا تأتي بالتلقين، والسلوك لا يستقيم إلا بالتدريب والمراقبة والمداومة على تصالب عوده واستقامة اعوجاجه.
الذين مزقوا الكراس والكتاب، والطلاب الذين تصل إلينا أخبارهم في اقتراف الجريمة والجناية وشنائع الأفعال، واتصافهم بقبيح الصفات. هم يعبرون عن قيمتهم الأخلاقية التي لم ترفعها مناهج التلقين عن هذا الذي هم فيه.
هذه الأحداث تريد أن تخبرنا أن الكتب المدرسية لم تنجح بعد في الدخول إلى قلوبهم، وأن التربية للسلوك لم تأخذ نصيبها من القسمة.
حين يرتكب ياباني جريمة يشعر معلمه أنه شريك حقيقي فيها، لأنه يجعل من نفسه المقدمة السيئة التي أنتجت هذا المجرم. إذ في الأصل التعليم يقوم أولا على التربية في بيئة تركز على طهارة الباطن وطهارة الظاهر ونحن لا نفارق التلقين إلا للخروج إلى العقوبة المغلظة.
إن حقيقة الفهم هي جوهر الأشياء في ذاتها..!
وحين ذاك فقط.. لا نكون بحاجة إلى إرسال باقة زهور للمعلمين الجرحى والمصابين من اعتداء تلاميذهم في نهاية كل عام دراسي.. وهذا من غريب العلل وغريب المرض!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي