رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الزهايمر: عندما ينتهي العرض

.. لا، لم يعد مرضُ الزهايمر مرضاً عارضاً.
ماذا يعني، بل كيف تتصور أن تنسى كل شيء؟ ماذا يعني أن تكون ذاكرتك مثل جهاز العرض لكامل حياتك بمختلف مراحلها منذ وعيت الدنيا حتى اللحظة الحاضرة.. ثم فجأة يُقفل هذا الجهاز. ينتهي العرض، ثم لا عرض بعده. أن تكون تسير على بوصلة في ممشاك الحياتي، ثم فجأة تفقد البوصلة في مفازة بلا اتجاه و.. تضيع. بل حتى الإحساسُ بالضياع يُسحَب منك، فأنت لا تشعر بشيءٍ، ولا بالضياع ذاته.
إنه تصور صعب أليس كذلك؟ هو تصورٌ أقسى من انتهاء الحياة. الذاكرة أهم ما يميز هويتنا، بل من أكثر ما يعطي تلك الهوية هويتها. خذ الذاكرة وستنتهي الهوية، بل سينتهي معنى الوجود، وشعور الكينونة. وهذا ما يكتشفه ويعيش مأساته ومعاناته العائلات التي يصاب أحد أفرادها بالزهايمر، وهو إحساس لا تفسِّرُ ألمه الكلماتُ، هي مشاعر عاصرة جديدة على أفراد الأسرة، فهم أيضا يصابون بهلع وضياع وأسى كلها مركبة في وقت واحد من أجل ظرف واحد، فتكون المعاناة مؤلمة، أما خلطها مع الغموض فالشعور يتعدّى الإيلام إلى مناطق جديدة من الاعتصار العاطفي الإنساني.
إن الشعورَ بتواصل الزمان قويٌ جدا، وشدني ما وصفه "د. فلاديمير نوبوكوف" في كتابه الشديد الأثر والتأثير "أيتها الذاكرة، تكلمي Speak, Memory" فيقول: "إن الماضي محبوك بشدة في نسيج الحاضر". ويصرح في أكثر من مرة بأنه لا يؤمن بالزمن، لأن الماضي محاك بشدة مع الحاضر، فيكون الماضي حاضرا. فالماضي لا يموت بل حتى لم يمضِ.
في السنوات الماضية لا أجد طبعات كتب جديدة خلت من الإشارة للذاكرة، أما المقالات حول فقدان الذاكرة أو النسيان المتكرر أصبح مثل الموضة في مجلات، مثل "السيكولوجي مجازين"، أو "الساينتست مجازين"، أو حتى بمجلات عادية كـ "التايم" و"الريدرز دايجست" و"الناشيونال جيوغرافي". من مقال مثلا يرتعب صاحبه لأنه ينسى دوما المكان الذي وضع فيه مفتاح سيارته، إلى تلك التي نسيت ابنتها في السيارة وهي تتسوّق. وقرأت مقالاً أضحكني وآلمني لبروفيسور هندي أضاع مكان جامعته، ثم صار يدخل أقرب جامعة يصل إليها بالقطار، والأغرب أنه أمضى على هذا المنوال عاماً دراسياً كاملاً لم تنتبه له الجامعات التي يغيرها تقريبا بشكل أسبوعي أو شهري، ولم تنتبه جامعته الأصلية إلى أنه غير موجود، حتى قرّر طلبته البحث عنه بحملة واسعة بـ "تويتر" و"فيسبوك"، فأبلغ عنه طلاب الجامعات الأخرى.. ويبرّر أن السببَ "مجرد" شرودٍ ذهني، نافياً ما يقوله الأطباءُ عنه أنه بداية الزهايمر، متهماً أساتذة منافسين بإقصائه وأخذ محله، ثم يقول إن زوجته تآمرت معهم لمجرد أنه يوماً دخل بيته وسألها: "من أنتِ؟"، ومستغرباً أن تحقد عليه زوجته بعد سنين "نسي" عددها.
وظهرت كتب تمارين إنعاش الذاكرة، وأدوية عشبية، مثل تلك التي من شجرة "الكينكجو" الشهيرة وزيت الأفعى. كل هذا يكشف عن خوفنا ورهبتنا من الضياع.. الضياعُ فينا.
إن جمعية الزهايمر السعودية يجب أن تُسانَد بقوة قبل أن نصاب بظاهرة نسيانها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي