طلابنا تعدوا مرحلة تمزيق الكتب
أثار المقطع الذي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي لطلاب مرحلة ابتدائية مزقوا كتبهم أمام بوابة مدرسة في حي النظيم في الرياض، استياء الكثيرين وسط مطالبات بالتحقيق مع المشاركين كافة في هذا التصرف. وكان أحد الطلاب قد صور عددا من زملائه يمزقون الكتب الدراسية بعد انتهاء اختباراتهم أمام بوابة المدرسة وسط فرحة عارمة وتصفيق واعتداء على المركبات برمي الكتب عليها، وطالب عدد من المغردين بضرورة التحقيق في الواقعة وأهمية مطالبة الطلاب بإعادة الكتب الدراسية إلى المدرسة فور انتهاء الاختبارات كشرط للحصول على الشهادة.
وأنا أتعجب لماذا هذا الاستغراب من هذه الحادثة وكأنها دخيلة على أبنائنا وبناتنا وكأن الرأي العام لا يعرف أن طلابنا يمارسون هذا السلوك المشين منذ زمن حتى أصبحت أحد عناصر الثقافة التنظيمية في المدارس والجامعات. تمزيق الكتب ليس وليد اللحظة فقد رأينا بأم أعيننا كيف أن من زملائنا من يمزقون الكتب المدرسية إبان كنا طلابا على مقاعد الدراسة منذ 40 عاما أو يزيد، لكن لم يكن في تلك الحقبة تصوير متقدم كما هو الآن. وهذا الأمر ليس مقتصرا على الصبية في المرحلة الابتدائية، بل هو سجية تعليمنا العام من الابتدائية إلى المتوسطة فالثانوية، ودخل هذا الوباء مؤسسات التعليم العالي. كما أن موضة التخريب هذه ليست محدودة في تمزيق الكتب، بل تعدت إلى الكتابة على جدران المدرسة من الداخل والخارج وحفر ذكرياتهم على الماصات والكراسي بآلات تحضر خصيصا لهذا الغرض، كما نال هذا التخريب أجهزة الحاسب الآلي والمعامل وأجهزة العرض والكراسي التي أعدت للاسترخاء في الممرات.
وعندما نقلب الأمور ونبحث عن الأسباب التي تجعل أبناءنا يتعمدون تخريب البنية التحتية للمؤسسة التعليمية، حيث أظن أنهم قد تفردوا بهذا السلوك على مستوى العالم. حتى نزيل عن أذهاننا العجب علينا أن نجيب عن السؤال التالي: لماذا يقوم طلابنا في المدارس والجامعات بهذا التخريب المتعمد لمكونات البنية التحتية للمؤسسة التعليمية؟ بصفتي قريبا من هذه البيئات وأرى بصورة شبه يومية من يمارس مثل هذا العمل المشين ـ سأبين في مقالي هذا بعض الأسباب التي نتمنى من الجهات المعنية التربوية وغير التربوية دراستها واقتراح الحلول المناسبة للقضاء عليها.
أرى أن أول هذه الأسباب هو عدم إدراك الطالب أهمية المقعد الذي يشغله، ويرى أن هذا حق مكتسب، وقد نقبل هذا في التعليم العام، إلا أن هذا مرفوض البتة في التعليم العالي. ولو تبين أن هذا سبب للتخريب فينبغي رفع قيمة المقعد الدراسي في أعين الطلاب وأولياء أمورهم حتى نجعل للتعليم قيمة في أعين الناس وليعلموا أن هناك ملايين حول العالم لا يستطيعون أن ينتظموا في فصول الدراسة لأسباب عدة منها تكلفة التعليم وصعوبة الحصول عليه، والكوارث الطبيعية وتلك التي صنعها الإنسان من حروب ونحوها. ينبغي عرض أفلام في المدارس والجامعات عن بيئات لم تستطع أن توفر التعليم لمواطنيها حتى أصبحوا عالة على شعوب أخرى.
السبب الثاني الذي أراه يتمثل في الذكرى المريرة للطلاب في المدارس بسبب العنف الذي يمارس عليهم، خصوصا في المراحل المبكرة من التعليم من قبل المعلمين وأولياء الأمور ولم يجدوا فرصة للانتقام إلا بتمزيق الأوراق والكتب والعبث بمكونات البنية التحتية للمؤسسة التعليمية عندما شبوا عن الطوق. وهذا يرجع إلى بيت القصيد، وهو عدم الاهتمام باختيار وتدريب المعلمين، ونتيجة لذلك ولعزوف الأكفاء عن هذه المهنة بتقاعد أو نحوه، أصبحت البيئات التعليمية والأكاديمية شبه خالية من القامات المهمة والقدوات الشامخة والمعلمين الأكفاء.
السبب الثالث الذي أراه وراء تخريب مرافق البيئة المدرسية يتمثل في مكوناتنا الثقافية بشكل عام حتى أصبح التخريب وعدم احترام المرفق العامة جزءا من ثقافة الأسرة السعودية. عندما نلاحظ بعض الأسر السعودية - وليس الكل بطبيعة الحال- وهي تتنزه في الشواطئ أو تحت ظلال الأشجار كيف تترك المكان الذي استمتعت به بوقتها، تتركه ملوثا مليئا بالقاذورات وبقايا الطعام ومخلفات الرحلة، فلا يكلف رب الأسرة نفسه أو بنيه بلملمة القاذورات ووضعها في سلة المهملات التي قد تكون ملاصقة لهم، فلذا يتركون المكان متسخا قذرا ملوثا بحجة أن هناك جهات مخصصة تتولى هذا العمل، ولو تبقى معهم نفايات وقاذورات عند عودتهم إلى المنزل فلا حرج في أن يلقى بها من نافذة السيارة. عندما يتربى الطفل في أسرة لا تحترم المكان العام ولا تراعي مبادئ النظافة ولا تكلف نفسها تنظيف المكان الذي وجدت فيه، فماذا نتوقع من الطفل عندما ينتقل إلى بيئات أخرى كالمدرسة أو الجامعة والشاعر يقول: وينشأ ناشئ الفتيان فينا ....على ما كان عوده أبوه. والذي يحير الألباب ويفتق العقول أن كثيرا من أولياء الأمور وأرباب الأسر الذين يمارسون التخريب في المرافق العامة ملتزمون متدينون يقيمون الصلاة في وقتها ويطعمون الطعام ويصلون والناس نيام، بل يطمروننا بمواعظ عن النظافة وكيف أن الإسلام يحض على النظافة ويأتيك بالآيات والأحاديث التي تدعم ذلك. السبب الرابع لتخريب الطلاب البيئة المدرسية هو نظرة الطلاب إلى المدرسة ذاتها، فلا يوجد ما يشجع الطالب على الوئام، فلا مكان فيها للترفيه أو المتعة، ولا يوجد متنفس لأبنائنا في المدرسة سوى كرة القدم التي يمارسونها بعد عراك مع المدرسين وقد يحرم منها بعضهم. والبرنامج المدرسي يحتاج منا إلى تفصيل نتركه لأهل الاختصاص ومنهم الطلاب نريد منهم أن يقيموا البرنامج المدرسي اليومي وكيف يمكن تطويره؟
هذه بعض الأسباب التي أراها، وبالتأكيد هناك أسباب أخرى قد يراها المعلمون والقياديون التربويون من مديرين ووكلاء ومشرفين تربويين. ورغم أهمية معرفة الأسباب إلا أننا لا نريد أن نقف عندها بل نريد حلولا وآليات تغرس في طلابنا احترام المرافق العامة حتى ينعكس ذلك على سلوكياتهم داخل المدرسة.