رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الفرد الحلقة الأضعف

سلوك الفرد في أي مجتمع وفي أي ظرف وعلى أي أرض لا يمكن أن يحدث دون أن يتأثر سلباً أو إيجاباً بعوامل وقوى تحيط به أو تلامسه بشكل أو بآخر، وتشابه هذه القوى الدوائر في إحاطتها بالفرد وتأثيرها فيه، وهذه الدوائر لا يمكن فصلها عن بعضها، بل إنها تتداخل وتتقاطع فيما بينها، وذلك في تفاعل الفرد معها وتأثيرها فيه، وتتمثل القوى الثلاث في الأسرة وبكل ما يرتبط بها في مستواها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي وفي عددها وخصائصها النفسية من طموح ودافعية عمل وتنظيم ومستوى ذكاء وغير ذلك من خصائص تتميز بها الأسرة.
الفرد داخل أسرته عضو في جماعة تؤثر فيه في كثير من الأحيان وتوجهه في سلوكه واختياراته ورغباته، وحقائق الحياة تكشف أن الاختيارات الدراسية والمهنية للفرد تتأثر برغبات الأسرة أحياناً دون أخذ رغبة الابن أو قدراته في الاعتبار، ما يترتب عليه التعثر في تحقيق هدف الأسرة قبل أن يكون هدف ابنها.
يلتحق الطالب بالجامعة ويصر على تخصص بعينه، وعند التعمق في النقاش مع الطالب يتبين أن الاختيار اختيار أسرته ويلزمه إرضاؤها، لكن المشكلة لا تتوقف عند ذلك، بل إن آثار الاختيار الأسري تلازم الطالب وربما بصورة سلبية خلال مشواره الدراسي إن لم يكن خلال مشوار حياته. طلاب كثر تعثروا في مسيرتهم الدراسية ليس لضعف في قدراتهم العقلية، لكن لأنهم قدموا رغبة الأهل على رغباتهم وميولهم، وقد مر عليّ حالات من الطلاب الذين عانوا نفسياً بسبب تعثرهم الدراسي الذي حدث بفعل دفع وضغط الأسرة.
دائرة التأثير الثانية، وهي ذات تأثير قوي، هم الأصدقاء والأصحاب، والغريب في الأمر أن قوة تأثيرهم تفوق تأثير الأسرة في بعض الأحيان إزاء بعض المواضيع، حيث تكون اختيارات الفرد متأثرة باختيارات أصدقائه، ولو سئل لماذا اختار هذا التخصص أو هذه المهنة لكان الجواب لأن زملاءه اختاروا التخصص أو المهنة، لذا فعل ذلك، وهذا مرتبط بخصائص الشخصية، إذ يتسمون بالانقيادية والتبعية العمياء وعدم القدرة على التقرير لأنفسهم.
القوة الثالثة المؤثرة في سلوك الفرد وتصرفاته هي المجتمع بصورته الشاملة بما فيه من أساليب وطرق تأثير يصعب على المرء مقاومتها أو الوقوف في وجهها، المجتمع بثقافته وعاداته وتقاليده وأنظمته ووسائل إعلامه وما تبثه من برامج ودعايات تداعب وتحرك مشاعر الفرد وغرائزه، لذا يمثل المجتمع قوة تأثير لا حدود لها حتى أن الفرد يفتقد قدرته على مواجهة الضغوط التي يمارسها عليه المجتمع ويتخلى عما هو مقتنع به ليرضي المجتمع والظهور بمظهر التوافق معه، وإزالة أي شك أو نقد بشأن الخروج عما هو مألوف.
الممارسات اليومية تكشف بجلاء عن تأثير المجتمع، حتى أن التبرير لكثير من الممارسات الخاطئة مرده ضغوط المجتمع، بل إن المجتمعات تعبر عن هذه الضغوط بأمثلة يتداولها الناس مثل قولهم "إن طاعك الزمان وإلا أطعه" وقولهم "مالك إلا خشمك ولو هو أعوج"، واستخدام مصطلح "فايتمين واو" للإشارة إلى الواسطة وقوة تأثيرها في القرارات والاختيارات، وحيث إننا في موسم القبول للجامعات والمعاهد العليا، لذا فالأسر والمؤسسات التربوية والتعليمية والمجتمع بعموم مؤسساته، مدعوة إلى أن تعمل بشكل متكامل بما يحقق حسن الاختيار للتخصص الدراسي والمهني، دون تجاهل لميول الطلاب وقدراتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي