أمانة الدمام و «أرامكو» ومستقبل «إماطة» وأثرها
صديق لي يسكن في منطقة طرفية في الرياض تشهد نشاطاً عمرانياً كبيراً يقول: كعادتي خرجت صباحا للعمل فإذا بالطريق مغلق بنفايات بناء رماها "قلاب" على قارعة الطريق ولم يكلف نفسه عناء رميها بجنب الطريق على أقل تقدير وإن كان النظام يطالبه برميها في مواقع مخصصة لذلك.
يقول الصديق هذا إن قائد هذا "القلاب" أعلن وبكل صراحة ازدراءه كل القيم والمبادئ والمفاهيم الأخلاقية المتعلقة بإماطة الأذى عن الطريق بدل رميه، معلناً أيضاً أنه لا خوف ولا وجل من نظام ضعيف غير قادر على الرصد والضبط والإحالة والمعاقبة الصارمة التي تردعه وغيره، ويضيف أنه أعلن أيضاً أن صاحب العمل السعودي يحثه على ذلك بكل تأكيد دون خوف من الله أو من النظام وبغياب تام لشيء من الانتماء والولاء لوطنه ومجتمعه.
وأقول موضوع النظافة أصبح مضحكا ومبكيا في الوقت نفسه، ذلك أننا أكثر المتحدثين بالقيم الدينية المتعلقة بالنظافة والمشكلة لثقافتنا حيال النظافة، فنحن من ندعو للنظافة وإماطة الأذى عن الطريق امتثالاً لقول رسولنا الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأذَى عَنْ الطَّرِيقِ, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإيمَانِ"، لكن - مع الأسف الشديد - نحن أول المخالفين لذلك ضاربين أسوأ المثل للوافدين لبلادنا في احترامنا نظافة بلادنا.
نعم، فنحن من نرمي النفايات بطريقة لا أخلاقية لا تعكس شيئاً مما نتحدث به من القيم والمفاهيم، ونحن أيضاً من نسرف في استخدام كل شيء رغم أننا من المؤمنين بقول الله تعالى: "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا" ولذلك تجد نفاياتنا تكاد تكون أكثر من المستهلك من الأطعمة والمواد وغيرها، ونحن من نخرجها بطريقة غير حضارية حيث لا نكلف أنفسنا عناء فرزها لمساعدة عمال النظافة لجمعها وتصنيفها وتحويل المفيد منها للجهات المعنية بإعادة تدويرها.
لن أسهب في الحديث عن المشكلة وعن آثارها البيئية والصحية، بل حتى النفسية، فالكل يلاحظ ذلك ويتألم، ولطالما تحدثت عن الحلول وطالبت أمانات المُدن برفع الراية وتعليق الجرس وقيادة حملات توعوية مدعومة بأنشطة حازمة على أرض الواقع لتطبيق النظام دون رأفة وتردد ومجاملة لأحد، لكن لم أجد ما يشفي صدري من استجابات فاعلة على أرض الواقع.
يوم الإثنين الماضي قرأت في إحدى الصحف المحلية خبرا أثلج صدري وأعاد الأمل لنفسي بوجود من يتصدى لحمل الراية وتعليق الجرس وتقديم النموذج، ولقد قرأت في طيات الخبر روحاً فكرية جديدة يستند إليها قرار مطلق الخبر، وهو المهندس فهد بن جبير أمين المنطقة الشرقية، منطلقاً من ثقافتنا الإسلامية التي تحثنا على إماطة الأذى كإحدى شعب الإيمان وكسب الأجر والثواب بدل رميه كما هو حاصل اليوم دون أدنى مسؤولية.
الخبر الذي يبين أن الأمانة ضاقت ذرعاً بالثقافة السلبية السائدة لدى معظم أفراد المجتمع ومؤسساته التي لا تتحمل مسؤولياتها تجاه النظافة ظناً منها أن هذه المسؤولية تعني الأمانة فقط وأن على الأمانة أن تعمل بشكل منعزل لتحقيق النظافة المثلى وأن عليها أن تبذل الكثير من الجهد والمال والوقت لتنظيف المدينة وبيئتها فوق الأرض وتحتها وعلى الشواطئ وفي أعماقها، وبالتالي فإن الأمانة اعتزمت إطلاق حملة بعنوان "إماطة" للتوعية بالنظافة، بهدف حشد الجهود والطاقات لتعزيز نظافة المنطقة ورفع كفاءة أجهزتها التي تعاني حالياً "ضعف" التعاون والالتزام والتصرفات السلبية.
المنطقة الشرقية بالنسبة لي من المناطق الثرية فكريا، ودائما سباقة في المبادرات الريادية، ولا شك أن مبادرة "إماطة" مبادرة رائدة وأتوقع لها النجاح الكبير - بإذن الله - خصوصاً أن المنطلقات الفكرية التي أعلنها أمين المنطقة مقنعة جداً وتشير إلى جهد فكري تستند إليه الحملة التوعوية، وبالتالي يجعلها أقرب للنجاح منها للفشل متى ما استجابت الجهات الشريكة، خصوصاً كبريات الشركات في المنطقة الشرقية، التي تزخر بكبريات شركات النفط والغاز والبتروكيماويات، إضافة إلى الشركات العملاقة الأخرى في المجالات كافة، ومتى ما استجاب أفراد مجتمع المنطقة الشرقية، وهي منطقة بحرية عادة ما يكون سكانها أكثر انفتاحاً من المناطق الصحراوية المنغلقة.
وبالتالي، فنحن أمام فرصة نجاح كبيرة لحملة توعوية متميزة يمكن أن تكون نموذجاً يعمم على باقي مناطق المملكة من خلال وزارة الشؤون البلدية والقروية التي تشرف على أمانات المدن كافة، إلا أنه يستحضرني سؤال بخصوص مدى نجاح هذه الحملة وتوثيقها لتكون نموذجا يحتذى وهو: أين شركة أرامكو من كل ذلك، وهي شركة عملاقة مقرها المنطقة الشرقية وتتمتع بقدرات هائلة ومرجعيات فكرية وتنفيذية معتبرة؟ ألا يمكن أن تكون شريكا أساسيا في هذه الحملة لصناعة النموذج الناجح؟ ألا يمكن أن تنطلق من منطلقات وطنية بعيدة الآفاق تتجاوز دعم حملة نظافة مناطقية إلى التأصيل لفكر وسلوك وطني في جميع أنحاء المملكة حيال النظافة وحيال دور المجتمع ومؤسساته تجاه ترسيخها ودعم أمانات المدن وبلدياتها للوصول للكفاءة المثلى؟
أكاد أجزم بأن "أرامكو" وغيرها من الشركات الكبرى في المنطقة الشرقية هي من أشار إليها أمين منطقة الشرقية بأنها من الشركات التي تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية تجاه نظافة المجتمع وتؤلمها السلوكيات اللاأخلاقية واللاحضارية التي يقوم بها البعض من رمي للنفايات والأذى بالطرق والمجاري والبراري والشواطئ، وكلي ثقة بأن "أرامكو" ومثيلاتها ستلعب دورها الكبير المنتظر بالتعاون مع أمانة المنطقة الشرقية في إعادة هيكلة ثقافة النظافة ومبادئها في البلاد.