لماذا يغيب «النانو» عن مشاريع مجتمع المعرفة؟
من الأخبار المهمة التي نشرها الإعلام السعودي على استحياء وبصورة مقتضبة خبر توقيع الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" على مذكرتي تفاهم مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" وشركة لوكهيد مارتن لتمويل مشاريع بحثية في تقنية النانو، كما وقعت "سابك" مذكرة تفاهم مع شركة لوكهيد مارتن من أجل استكشاف وتحديد إمكانات تأسيس شركة مشتركة جديدة في السعودية تعمل في مجال تطوير مواد الكربون ذات البناء النانوي التي تستهدف مجموعة متنوعة من التطبيقات في الأسواق العالمية للتحقق من صلاحيتها الصناعية وتسويقها في الأسواق، كذلك وقعت الدكتورة أرنستو أوشيلو نائب الرئيس التنفيذي للتقنية والابتكار في "سابك" مذكرة تفاهم مع البروفيسور جان لو شامو رئيس جامعة "كاوست" تقوم الشركة بموجبها برعاية ما لا يقل عن عشرة برامج بحثية يتم تنفيذها في مركز الحفازات ومبادرات تقنية النانو.
أتساءل: لماذا تغيب تكنولوجيا النانو في هذه الأيام عن وسائل الإعلام السعودي بعد أن كانت تحتل المساحة الأكبر طوال العقد الماضي، يوم ذاك كانت الجامعات السعودية تتسابق على مشاريع النانو، وخرجت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وجامعة الملك سعود ببناء صرحين كبيرين من صروح تكنولوجيا النانو.
شخصياً لا أجد مبرراً مقبولاً لتغييب النانو عن برامج اقتصاد المعرفة الذي نتطلع إلى تحقيقه مع تباشير عام 2030.
إن تكنولوجيا النانو أخذت على مستوى العالم حيزا كبيرا من الاهتمام فمن أجلها تعقد المؤتمرات والندوات وتدور المناقشات والأبحاث التي تحقق الخير والفائدة للبشرية، خاصة بعد أن تعددت مجالات استخداماته وتنوعت أساليب التعامل مع تكنولوجيا النانو في الحرب والسلم، ففي ساحات الوغى تعطي النانو تكنولوجي للجيوش القدرة على إخفاء الإنسان، وتجعل الطائرة في حجم البعوضة، والغواصة في حجم النملة، والكمبيوتر في حجم سن القلم، بل والملابس نفسها تتمتع بالقدرة على الإخفاء والتبريد والتدفئة.
ونعرف جميعاً أن الحجم في تكنولوجيا النانو غاية في الأهمية، فالحاسب الخارق اليوم الموجود في مراكز الأبحاث والتطوير أو في الجامعات الكبيرة سيكون مجرّد ساعة يد في المستقبل القريب. والمباني والآلات ستستطيع إرسال إشارات لاسلكيّة عندما تحتاج إلى صيانة، أو قد تستطيع إصلاح نفسها، أما ثيابنا فستأخذ بيانات عن صحتنا وتنبهنا إلى مظاهر بيئيّة مضرّة، وستنظّف نفسها من الأوساخ والروائح دون أيّ مساعدة وستقوم بتدفئة أو تبريد الجسم حسب درجة الحرارة الخارجيّة، وسيمكن صناعة غرفة عمليات كاملة في كبسولة صغيرة، يتمّ وضعها داخل جسم المريض لتقوم بتنفيذ برنامج العمليّة الذي برمجه الطبيب، كما أدخل باحثون في كوريا الجنوبية نانو الفضة على المضادات الحيوية حيث تتميز الفضة بقدرتها للقضاء على 650 جرثومة في خلايا الجسم، والأكثر من ذلك هو اختراع إحدى الشركات العالمية مشروبات مبرمجة وهي مشروبات لا طعم ولا لون لها تتضمن نانو جزيئات للون والطعم عندما توضع في الميكروويف عند تردد معين تتحول إلى عصير ليمون أو عصير تفاح.
هناك أيضا ابتكار جديد لتوليد مصدر جديد للطاقة بالاعتماد على تكنولوجيا النانو متناهية الصغر، ما يفتح بابا جديدا أمام توليد الكهرباء وصناعة البطاريات بتقنيات صديقة للبيئة ودون تكلفة مادية كبيرة، وهي تقنية قابلة للاستخدام في مجال توفير الطاقة للإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة. مجالات لا تُعدّ ولا تُحصى تدخل فيها النانو تكنولوجي، وستغيّر حياتنا عشرات الألوف من المرّات.
إن تكنولوجيا النانو بأنشطتها المختلفة تتغلغل في كل مكونات اقتصاد المعرفة، ففي مجال الأجهزة والمعدات لها نصيب وافر في الحاسبات ومعدات الشبكات، وفى البرمجيات لها نصيب وافر جداً في أدوات تطوير المواقع والخدمات الإلكترونية المختلفة، كما تلعب تكنولوجيا النانو دور الحاضنة الكبرى للمحتوى المعلوماتي بمختلف أفرعه وأكبر أوعية تداوله ونشره واستخدامه، وكذلك الحال في مجال الموارد البشرية والتدريب، بعبارة أخرى تتغلغل تكنولوجيا النانو في اقتصاد المعرفة كما تتغلغل الشعيرات العصبية في أجزاء الجسم المختلفة ويلعب دور الجهاز العصبي الرقمي لهذا الاقتصاد ويمنحه القدرة على تداول المعلومات بسرعة وسلاسة وكفاءة ويجعله سريعا للطوارئ واقتناص الفرص.
إن تكنولوجيا النانو أساس من الأسس التي يقوم عليها اقتصاد المعرفة، ويكفي أن نقول إن النانو تقنية رفيعة المستوى، واقتصاد المعرفة -في جانبه الرئيس- يقوم على تقنية المعلومات، وبدون تكنولوجيا المعلومات لن نصل إلى مرافئ اقتصاد المعرفة، ولذلك أرى أن وزارة الاقتصاد والتخطيط لم تقم بواجبها حيال توعية المجتمع بدور وأهمية التكنولوجيا من أجل الوصول إلى اقتصاد المعرفة.
وإذا كنا نرمي هذه الوزارة بالتقصير فإننا نحملها هذه المسؤولية لسببين الأول إنها صاحبة الاختصاص، فهي وزارة الاقتصاد والتخطيط، وثانياً هي الجهة المكلفة من المقام السامي ووزيرها هو رئيس اللجنة الموكل إليها وضع الخطة الاستراتيجية لتحويل المجتمع السعودي إلى مجتمع معرفي.
ولذلك كنت أتمنى أن تهتم الوزارة والوزير بشرح الاستراتيجية التي وضعتها للتحول إلى مجتمع معرفي والتي توشك -وفقاً لآخر تصريح لوزير الاقتصاد والتخطيط- أن ترسل إلى المقام السامي للموافقة على مباشرة التنفيذ.