رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ابن العم «الوزير» عميد الأسرة

رحم الله عبد العزيز الخويطر وأسكنه فسيح جناته.
قابلتك يا أبا محمد لأول مرة عند قدومي من عنيزة إلى مكة المكرمة في أول زيارة لي خارج مدينتي وغربتي عن أهلي وعمري آنذاك لا يتجاوز الثانية عشرة. وكان القصد من تلك السَّفرة المبكرة البحث عن عمل رغم صغر سني. وقد حللت ضيفاً في بيت والدكم الكريم العم عبد الله تغمده الله برحمته. وكنتَ على وشك إنهاء المرحلة الثانوية من التعليم، فكنت أستأنس بالجلوس معك، وأستمع إلى "سواليفك" الجميلة رغم فارق السن ومستوى التعليم، حيث لم أكن أحمل- حينها- أعلى من مرحلة ثاني ابتدائي. ولكنه تواضعك وإحساسك بشعوري بالغربة والوحدة. ولم أمكث معكم سوى أسابيع قليلة، ولكنني علمت فيما بعد أنك غادرت البلاد إلى مصر من أجل مواصلة الدراسة. وذكرت لي أخيراً عن بعض الذكريات التي كانت لا تزال عالقة في ذهنكم حول مفهومي لمسميات بعض الأشياء بين عنيزة ومكة، لاختلاف العادات والتقاليد بين المجتمعَين. وكانت فعلا ذكريات جميلة. ولم تتح لي الفرصة لمقابلتك مرة أخرى، أبا محمد، إلا في عام 1961، بعد حصولكم على شهادة الدكتوراه التي كنا جميعًا نعتز بها. وقبل سنوات قليلة، عندما أطلعتك على مسودة الكتيِّب الذي كنتُ قد ألفته تحت عنوان "رسالة إلى أحفادي" عن سيرة حياتي، والذي لم أكن عازماً على نشره، نصحتني- جزاك الله كل خير- بأن أتوكل على الله وأنشره، وقد فعلت. شجعني على ذلك مراجعتك للمسودة وإبداء بعض الملاحظات القيمة.
رحمك الله يا أبا محمد رحمة واسعة، فقد كنت أخاً وأباً وصديقاً ومُحبًّا للجميع. وكنت خير مواطن وخير مسؤول. كنت عفيف اليد واللسان. خدمت الوطن بكل أمانة وإخلاص، حتى أصبحت يُضرَب بك المثل. وكان مجلسك الذي كان لا يُمل يرتاده القريب والبعيد ويحضره الداني والقاصي. وكنت عميد الأسرة وعميد الوزراء وعميد حملة الدكتوراه، وكنت بحق عميد ذوي الأخلاق الحسنة والتواضع الجم. وكنت يرحمك الله قدوة للمواطنة الصالحة. ويشهد الله أنني لم أحذف كلمة "الدكتور" من المقال إلا لأني أعرف أنك- رحمك الله- لا تحبذ استخدام مثل هذه المسميات من أجل رفع شأن الشخص المقصود. ولذلك فلم تكن تستخدم حرف الدال في جميع كتبك وكتاباتك. وإن فقدنا وجودك بيننا، يا أبا محمد، فلن نفقد تأريخك وسمعتك العطرة، ولا أحاديثك الشيقة وأسلوبك البسيط الجذاب في مؤلفاتك العديدة التي، كانت ولا تزال، تحكي لنا مراحل حياتك، والتي كانت موسوعة تراثية. كنت تفضل الصمت ولا تتحدث كثيرًا عبر الوسائل الإعلامية، ولكنك ملأت صفحات الكتب بكل ما كان يجول في خاطرك، وتحتفظ به ذاكرتك ومذكراتك مما لذ وطاب من حسن القول.
كان جلالة الملك فيصل- رحمه الله- يصفك بأنك ثروة وطنية لا يجب التفريط فيها. وكان الملك خالد- رحمه الله- يشير إليك أمام الوزراء بأنك الرجل الأمين. وهي شهادات يعتز بها كل منْ يودك ويعزك. فقد كنت مثلاً للنزاهة ودماثة الخلق وبشاشة الوجه، ولم تكن ميالا لحياة الترف.
وقد كان والدكم، العم عبد الله العلي الخويطر، عليه- رحمة الله- من رجالات، المغفور له- بإذن الله، المؤسس الملك عبد العزيز المخلصين. وقد تولى في عهد جلالته مسؤولية كبيرة تتطلب كثيراً من الإخلاص والأمانة والحزم وحسن التنظيم، وهي إدارة المستودعات، فالأمانة والإخلاص في العمل وخدمة هذه الأمة عامل موروث، انتقل من الأب إلى الابن.
ولا نبالغ إذا قلنا إنه لم تحظ شخصية في مركز وزاري مثل ما حظي به الوزير عبد العزيز الخويطر من الحديث عن سيرته العملية ووصف نظرته وفلسفته في إدارة شؤون العمل. سَمَّوه معالي الوزراء، نسبة إلى أنه كان يقوم أحيانًا بتغطية أكثر من وزارة واحدة في وقت واحد. وأحياناً أخرى يتنقل بين وزارة وأخرى. وكثيراً ما يتناولون سيرته مقرونة بمهارته في التصرف بميزانية الجهاز الذي هو يشرف عليه. وهي ميزة نتمنى لو أن جميع المسؤولين يتقيدون بها، فهذا من صلب واجباتهم.
وكان- رحمه الله- يعلم مدى المشقة التي يعانيها الكثيرون عندما تكون الصلاة على الجنائز في أحد المساجد البعيدة عن المقبرة، كما جرت العادة، فأوصى- رحمه الله- بأن يصلى عليه في جامع إمام الدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب المقابل لباب المقبرة تسهيلاً للمشيعين، وهي سنة حسنة وبادرة لها أهميتها منه رحمه الله، حيث من المتوقع أن يكون قراره قدوة للآخرين، تسهيلاً للوصول إلى المقبرة دون مشقة أو تأخير بسبب الحركة المرورية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي