رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


منابع داعش والحبيب

بخلاف هذا التوتر المختلق والهائل، أجد الوعي المشترك في الأمة سينجيها هذه المرة من غيلان الجهل والحقد الأعمى، أو هذا ما أتمناه عاجلا، متضرعا إلى الله تعالى بلاغه قبل أن تفقد الأمة ما سيعييها رده، وقبل أن تنتهي إلى الأقاصي التي يعجزها معرفة طرق العودة منه، وسبل العبور إلى ما كانت فيه. كما ضلت كثير من حواضر المسلمين اليوم السبيل بتيه شعوبها في ما لا يعلم أحد منتهاه ولا يخرج حي من قعره.
على الأرجح بات العقل العربي على الرغم من كل تناقضاته، وجموده المألوف، متيقظا لما يراد به، وإن استباحة الآخرين بذريعة -المعتقد- الفاسد، ومن خلال تصور -الضلال- الذي يستوجب النبذ وسوء الظن. ومحاكمة النوايا. هذا كله ينتمي لمفهوم الفرقة الناجية الوحيدة من سبعين فرقة كلها في النار، هذا تدبير شرس لا نتصور أنه يستوعب العامة الذين يستوعبهم هم رغيف الخبز واللهث خلف قوتهم اليوم كله. وهو تدبير شرس أيضا في الجغرافيا التي توصم المذهب بمكان الميلاد. وإن النزوع والخروج والاختيار ومحاكمة الخصومات والجدل العقدي يفتقر إلى أدوات معرفية من البديهي ألا يملكها أكثر الناس ولو كانوا لها طالبين.
الجهل عقوبة قاسية لكل مجتمع .. والتاريخ بكل مكنونه الإنساني والفكري ليس بالكمال الذي يحسبه المسلمون بكل طوائفهم، والمنابع الفكرية والفقهية بعد -الكتاب والسنة الثابتة- ليست بنقية السواقي كما نظن، الغبش غالب، والخمط كثير، والتاريخ مرعى وبيل. والوضع في الرواية داء عظيم.
إعادة تكوين الوعي بالذات يبدأ من خلال الفهم الأعمق لحاضرها وتحدياته، لن تسقط المسافة بين الشيعة والسنة، ولا بين السنة والسنة والشيعة والشيعة أيضا إلا من خلال تجاوز رذيلة المصادر التاريخية، والعبور فوق العقول التي جعلت -لداعش والنصرة- سببا متصلا بالفقه تزعم أنها تمثل الحقيقة التامة منه، وتنتمي إليه هي ذات المحنة وذات المعضلة في -ياسر الحبيب- ومن لف لفه ونطق بفكره هو أيضا ضحية لمصادره الفاسدة. التي تنتج من الطرفين القسوة والعنف والبذاءة واستباحة المخالفين لهما. وتجعل هذا كله من سلوك التدين، ومن أسباب القربة إلى الله تعالى.
محنة المصادر الفاسدة هي بلية واحدة في الطائفتين، ومحنة الأفكار التي يعوزها الستر على قائليها لشناعتها، وعارها، كثيرة وغير قليلة من الطائفتين .. وحتى تلك الطبقة التي يعدها المرء من -الكبار- قلما تستغني عن "رحيم عادل" يستر بعض فكرهم بستره، ويتجاوز عن سيئاتهم وعيوبهم الفكرية، وخطل الاستنباط.
ليس من أحد إلا يؤخذ منه ويُرد عليه، إلا صاحب هذا "القبر" ثم أشار إلى الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى صلوات الله وسلامه عليه. لا سبيل للخلاص إلا بالتزاور ذات اليمين وذات الشمال عن كثير من المصادر والأفكار وأولئك الذين كنا نعدهم منابع صافية دون كدر في فكرها وعطايا اجتهادها.
حسبها الأجر الواحد فيما سعت إليه وفيما كان مؤثرا على قناعتها الفكرية من فعل السياسة والمجتمع والتربية وما استبقته فيهم من طبائع النفس بين اللين والقسوة.
القصة ليست في حوار يجبر ما انكسر، ويفتح أفقا من ظلمة، ويوجد سبيلا للحب من ركام سوء ظن وكراهية تاريخية متراكمة. بل هو تطهير وتمحيص وإعادة بناء الذات الجمعية للمسلمين. بالحال الذي لا يتكرر عند الشيعة ياسر الحبيب ولا يتكرر عند السنة داعش والنصرة والقاعدة.
بقي أن نعلم جميعا أن الحب والوعي وطهر الذات صفات يجب أن نصطنع مقدماتها، لكي نتصف بها لأنها لا تأتي هكذا وقتما نُريد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي