رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الدروس الخصوصية .. الأمر خرج عن السيطرة

تطرقت في مقالين سابقين إلى ظاهرة الدروس الخصوصية في بلادنا، وكيف أصبحنا نُستثمر طواعية. فقد ذكرت في المقال الأول كيف أنها أصبحت مصدر رزق سمين للكثير من الوافدين، سواء أكانوا يعملون في التعليم أم أتوا محارم لزوجاتهم وقريباتهم، بل إن بعضهم وجدها وظيفة مجدية تستحق المغامرة، فهجر مهنته الحقيقية من كهرباء أو سباكة أو علاقات عامة وتوجه إلى الدروس الخصوصية.
وفي المقال الثاني تطرقت إلى الأسباب التي وصلت إلى هذا الحد، وكيف أن المدرس الخصوصي يتقاضى في بعض الأشهر ما يقارب 100 ألف ريال، وقد قدمت بعض المقترحات والحلول، وكنت أتمنى من القراء الكرام أن يكملوا المشوار ويقدموا حلولا أخرى لم أتطرق إليها، إلا أنني فوجئت أن بعضهم قام بالتهكم على مقالي وتسفيه البيانات التي أوردتها لدعم وجهة نظري، فمنهم من يرى أن هذا الرقم (100 ألف ريال) مبالغ فيه، وأن هذا غير واقعي، وأنني أتيت بهذه البيانات من مخيلتي، وأن المدرس الخصوصي لا يمكن البتة أن يحصل على هذا المبلغ، ولو ظل يعمل عالقا الليل بالنهار.
وهؤلاء الذين يتهكمون على ما ذكرت إما أنهم قوم لا يقرأون، وإما أنهم غير مدركين لخطورة الأمر، فيظن أنه هو الوحيد الذي يستعين بالدروس الخصوصية وهو لا يعلم أن هناك مئات من الطلاب يفرون إلى المدرس الخصوصي الذي يدرسهم رياضيات ولغة إنجليزية وعربية ومحاسبة وإحصاء وفيزياء، ولا يمنع من تدريس بعض المقررات في الكيمياء العضوية والحاسب الآلي، وهذا ليس حكرا على طلاب المراحل الثلاث، بل تعدى ذلك إلى طلاب الجامعات، ومنها كليات الطب. ويعمد المدرس الخصوصي إلى فتح مدرسة في بيته، فيقسم الطلاب والطالبات أحيانا إلى مجموعات ويحصل على مبالغ متفاوتة من كل طالب، وليس من كل مجموعة. كنت أتمنى من أولئك المتهكمين ألا يقرأوا بسطحية وأن يبحثوا عن المعلومة، فنحن معاشر الكُتاب لا نبني وجهات نظرنا على خيال أو أوهام، بل على بيانات منشورة وكثير منها موثقة وتنشر في الصحف الرسمية أو في بيانات الوزارات المعنية كمصلحة الإحصاءات العامة.
وحتى أرد على القراء السطحيين سأورد هنا التقرير الذي بنيت عليه وجهات نظري في مقالي حول الدروس الخصوصية. نشرت عدة صحف محلية تقارير عن الدروس الخصوصية، منها تقرير عكاظ في عددها رقم 4363 في 18/7/1434هـ، حيث نشرت تقريرا مفصلا عن ظاهرة الدروس الخصوصية وأهم روادها والمستفيدين منها، وكيف أنها أصبحت سمة بيئتنا التعليمية والأكاديمية في المدارس والجامعات وأن الكل - الطلاب وأولياء الأمور - يهرعون وراءها طوعا أو كرها. فقد ذكر التقرير أن هناك فئة من الذين يقدمون الدروس الخصوصية هم في الأصل مهنيون أو رعاة أغنام أو محارم أتوا مرافقين لزوجاتهم، وعندما وجدوا سوق الدروس الخصوصية رائجة في بلادنا هجروا مهمتهم الأصلية واتجهوا إليها. وقد أضاف تقرير عكاظ السالف الذكر أن دخل المدرس الخصوصي يقدر في بعض الأشهر بما يفوق 100 ألف ريال! أعيد وأكرر هذه المعلومة عن صحيفة عكاظ بالأرقام غير القابلة للتأويل أن دخل المدرس الخصوصي يفوق 100 ألف ريال.
وقد ذكر التقرير نفسه أن الأسر في المملكة تدفع ما يقدر بـ 100 مليون ريال كل عام دراسي للدروس الخصوصية، مستندا إلى آخر إحصائية تشير إلى أن أولياء أمور طلاب يحرصون على تطوير مهارات أبنائهم بالدروس الخصوصية، فيما تحولت فترة الاختبارات إلى سوق رائجة للدروس الخصوصية، بعد أن شهدت ارتفاعا في الأسعار من قبل المدرسين الخصوصيين وصل إلى 40 في المائة عما كان عليه السعر سابقا، وفقا لتقديرات معلمي ومعلمات الدروس الخصوصية التي تنتشر إعلاناتهم في أماكن التجمعات الطلابية داخل المدن. ولم يبق الوضع على شكل إعلانات في أماكن التجمعات، بل يتم الآن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للوصول للطالب وولي أمره، وكشفت مديرة إحدى الثانويات أن الأمر تطور كثيرا، حيث سجلت بعض المدارس مرافقة معلمات الدروس الخصوصية للطالبات في الحضور إلى المدارس لإبعاد الشحن النفسي عنهن وهي ظاهرة جديدة لم تكن موجودة سابقا.
إذا أنا لست الذي قدر المبلغ الذي يتقاضاه المدرس الخصوصي (100 ألف ريال شهريا) وأنا لست الذي أتي بهذه البيانات، وكنت أتمنى من المتهكمين على مقالي الأسبوع الماضي أن يسألوا من أين أتيت بهذه البيانات؟ فعندما يجدون بيانات أو معلومات لا يتسع لها فكرهم وتفوق استيعابهم ويصعب عليهم فك رموزها ألا يذهبوا للآلة الحاسبة - كما ذكر بعضهم - فيقوم بالضرب والقسمة والجمع والطرح، بل عليهم ببساطة أن يتحققوا بأنفسهم من مصداقية البيانات ومدى صحتها بدلا من أن يعودوا إلى أنفسهم ويقلبوا عقولهم المحدودة ثم يتهكموا ويتهموا ويسفهوا دون سند علمي أو رأي مرجعي.
أيها المتهكمون عليكم أن تعلموا إن كنتم لا تعلمون أن الدروس الخصوصية تضرب أطنابها ليس فقط في بيئتنا التعليمية بل تعدت ذلك إلى البيئات الأكاديمية، وأنا على مقربة مما يحصل في الجامعات وأرى كيف أن الأمر خرج عن السيطرة، فلم يعد الموضوع مقتصرا على الدروس الخصوصية التقليدية، بل تعداه إلى كتابة الأبحاث العلمية بمبالغ فلكية، ولا أريد هنا أن أذكر المبلغ حتى لا يتهور أحد ويخرجني من الملة أو يتهمني بالجنون. عودوا إلى صوابكم واعلموا ما يحدث عن أيمانكم وعن شمائلكم عندها ستدركون أنني أصبت كبد الحقيقة وأنني لا أتكلم من فراغ ولا أكتب من أجل الكتابة، بل من أجل أن تتجلى الحقيقة وبناء على المعلومة الموثقة، ولي عودة لهذا الموضوع ولكن من طرف كتابة الأبحاث العلمية مدعما بالحقائق الدامغة والبيانات المنشورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي