مشروع تطوير التعليم مرة أخرى
كتبت في الأسبوع الماضي وفي هذه الزاوية مقالا بشأن ما حدث من تصرفات عبثية قام بها بعض طلاب المدارس في الرياض من تدمير وعبث بالأثاث المدرسي وتمزيق وإهانة للكتب بصورة مزرية ومخزية، وأشرت في ذلك المقال إلى ضرورة مراجعة المنظومة التربوية، لأن ما حدث من طلاب في عمر الزهور ما هو إلا مخرج من مخرجات العملية التربوية شئنا أم أبينا، كما سبق أن كتبت مقالات عدة بشأن التربية والتعليم وقضاياها المتشعبة والمتشابكة، ومن بينها مقال كان بعنوان "مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم إلى أين"، الذي مضى عليه عقد من الزمان ورصدت له ميزانية ضخمة بلغت تسعة مليارات ريال، لكن لم نر إنجازات تذكر تحسب لهذا المشروع تنعكس آثارها إما بصورة حسية تتمثل في المباني المدرسية، أو بصورة معنوية تتمثل في المعرفة والسلوك والقيم والأنظمة والمناخ التربوي العام الصحي.
التساؤلات التي طرحتها بشأن مشروع تطوير التعليم في المقال السابق تتضح حتمية طرحها مرة أخرى، خاصة بعد أن وافق خادم الحرمين الشريفين على دعم وزارة التربية والتعليم بـ 80 مليار ريال دعما لمشروع التطوير. وصرح وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل بأن مشروع التطوير سيتضمن تدريب 25 ألف معلم، إضافة إلى بناء مدارس جديدة، وصيانة مدارس، وإعادة تأهيل أخرى، إضافة إلى ما هو خاص بتطوير المناهج بهدف الارتقاء بالعملية التربوية إلى المستوى الذي يؤهل أبناء الوطن للقيام بواجبهم تجاه بلدهم ومجتمعهم.
الخبر بشأن موافقة خادم الحرمين على الدعم بـ 80 مليارا تضمن تشكيل لجنة من الوزراء المعنيين وذوي العلاقة للإشراف على تنفيذ المشروع خلال خمس سنوات، ومع هذا المبلغ الضخم الذي يبني دولة بكاملها، أرى أن تتم مراجعة مشروع تطوير التعليم في مرحلته الأولى ــ إن جاز تسميتها مرحلة ــ لمعرفة ماذا تحقق وما الذي لم يتحقق ومعرفة أسباب الإخفاق ــ إن وجد ذلك. إن تشخيص واقع تلك المرحلة مهم لتجنب ما قد يعوق المشروع في مرحلته الثانية أو صورته الجديدة، وحبذا لو نشر تقرير وبالأرقام يكشف إنجازات المشروع بدلا من إسدال الستار.
وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل وعد بمؤتمر صحافي حول المشروع، وحبذا لو كان المشروع مفصلا يكشف فيه كل التفاصيل بشأن المشاريع والمناطق والمدن التي ستنفذ فيها، وطبيعة مشاريع التدريب والشرائح التي تستهدفها من منسوبي التربية والتعليم، ومن سيقوم بالتدريب، والجدول الزمني لكل هذه المشاريع، مع تحديد أهداف كل مشروع وعلاقته بالمشروع العام للتطوير، وكيف يخدم ويسهم كل مشروع في أهداف المشروع بصورته الكلية.
ما من شك أن مشروعا ضخما كهذا ليس بالأمر الهين، إذ يتطلب خبراء على مستوى عال من المهنية والخبرة، كما أن انخراط العاملين في الميدان من معلمين ومديري مدارس، فيه الكثير من كشف لواقع التعليم الذي لا بد من الانطلاق منه لإحداث أي تطوير، أما إن تم تجاهله فقد تكون نتائج المشروع خلاف ما نريد، وفي الختام يمكن طرح شيء من الأسئلة:
ما الذي يجب أن يحظى بأولوية التطوير؟
هل نطور العقل وطريقة التفكير؟
هل نطور الأنظمة؟ هل نطور الإدارة العليا؟
هل نطور إدارة المدرسة؟
هل نطور بيئة المدرسة؟
هل نطور المحتوى المعرفي؟
هذه عينة لأسئلة وأفكار لا يتسع المقام للاستمرار فيها وإلى مقال أو مقالات في قادم الأيام.