رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاستثمار الجريء .. متحفظ

من المُخاطرة أن تدعو الآخرين إلى المخاطرة! لأنك حين تخطئ في الاستعداد أو التقدير تورطهم وتتورط معهم. نعم قد تكون المكاسب مضاعفة ولكن الخسائر ستكون مضاعفة كذلك.
تعزيز ثقة المستثمرين الأفراد Angle Investors وتنشيط حركة رأس المال الجريء Venture Capital من شروط ازدهار بيئة ريادة الأعمال والمشاريع الناشئة، إذ لا تكتمل الأدوار الاقتصادية والتنموية لهذه الأنشطة إلا بتحريك السوق بالاستثمارات الجريئة والجامحة. وعلى الرغم من الاختلاف بين خصائص المستثمر الشُجاع “المنفرد” وبين رأس المال الجريء “المؤسسي”، إلا أنهما يتشاركا في استهداف المشاريع ذات المخاطر الأعلى، وذلك بحثا عن العوائد الأعلى.
محليا، تؤدي زيادة بعض المشاريع التقليدية - التي تحقق عوائد عالية بمخاطر منخفضة، كما يحدث بسبب الضخ الحكومي - إلى تقليل فرص المشاريع الناشئة. لماذا يخاطر المستثمر بأمواله في مؤسسات ناشئة والعوائد المجزية تحصل بلا مخاطر من قنوات أخرى؟! حين يكفي التحفظ الاستثماري - وربما الخجل - لصنع الكثير من الأرباح، تنكمش الاستثمارات الجريئة. وبذلك، لن يتبقى أي أهداف استثمارية في خوض المخاطر العالية المرتبطة بالمشاريع الناشئة، باستثناء ما يتعلق بالحضور الإعلامي أو مجاراة السائد!
تعاكس العوائد المرتفعة المصاحبة للتحفظ الاستثماري قوانين المخاطرة، فيصبح المهم مستحيلا والسهل كافيا ومُرضيا. لا تنتج هذه الحالة إلا من معطيات شاذة، تسيطر فيها ظروف تخدم الاستثمارات بطرق غير عادلة، وهذا بالطبع يؤذي السوق ويزيد من تشوهاتها؛ هنا تصبح الحاجة ماسة للتشريعات السريعة والفاعلة. في كل الدول التي تهتم بتطوير ودعم بيئة ريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والناشئة، هناك برامج مخصصة لدعم وتوجيه الاستثمار إلى هذه المجالات، وذلك لأنها تسد جزءا كبيرا من الثغرة الناتجة من إحجام المصارف ومصادر التمويل التقليدية. تتمحور هذه البرامج حول تعزيز الثقة وبناء الشبكات وتحسين التشريعات، إضافة إلى – وهذا الأهم – تحفيز المال نفسه. يتم استخدام الضريبة وبعض بدائل الضريبة الأخرى لتحفيز الاستثمار في المشاريع الناشئة والصغيرة. بل تستخدم بعض الدول والمقاطعات هذه الأدوات لتحفيز الاستثمار الجريء في قطاعات محددة. ولاية ميريلاند الأمريكية مثلا تمنح إعفاءات ضريبية للمستثمرين في مشاريع التقنية الحيوية الناشئة بينما تقوم ولاية ويست فرجينيا بذلك لمن يستثمر في المنشآت سريعة النمو. تمنح الحكومة السنغافورية حوافز ضريبية للمستثمرين الأفراد الذين يقومون بالاستثمار في مشاريع محلية ناشئة بشرط ألا تقوم هذه المشاريع على الاستثمارات العقارية أو المتاجرة بالأصول والمضاربة. وتمنح المستثمر الفرد بعد مراجعة ملفه مسمى “مستثمر فرد معتمد” حيث يتمتع بهذه الامتيازات لفترة سنة قابلة للتجديد.
لا تكفي الأمور التثقيفية مثل التوعية اللطيفة واستغلال الفعاليات لدعم وتحريك الاستثمارات الجريئة، بل يجب أن تستند على تشريعات جريئة مُجسَّدة وربما بعض القوانين التي تُحدث الأثر المادي المباشر، فالأموال لا تحيا إلا بما ينميها والعادات تتغير بالقوانين المؤثرة.
وعلى الرغم من غياب الأداة الضريبية التي تصنع الحوافز، إلا أن الحلول متاحة. على سبيل المثال، قد تُلزَم الشركات المساهمة وغير المساهمة التي تزيد إيراداتها على مقدار معين - 100 مليون ريال مثلا - بالانخراط في برنامج وطني لربط دورتها اللوجستية بالمنشآت الناشئة والصغيرة. وهذا يتطلب وجود آلية لتحديد من يستحق هذا الدعم؛ بشروط ترتبط بالسعودة والحجم وممارسة مالك المنشأة العمل بنفسه. قد تقوم الغرف التجارية أو لجان خاصة بوزارة التجارة ببناء وتمثيل شبكات من صغار الموردين المعتمدين لكل قطاع. هذا النوع من الدعم يشكل عامل استقرار وجذب يقلل المخاطر المرتفعة ويحسن فرص تحرك الاستثمارات.
وكما تسعى التشريعات لزيادة جاذبية المشاريع المرتفعة المخاطر، قد يكون من الملائم كذلك تقليل جاذبية المشاريع التي تستأثر بحصص استثمارية لا ترتبط كثيرا بالقيمة التي تمنحها. ومن ذلك، التحكم في هوامش الربح عن طريق الرسوم المباشرة التي تقابل الدعم والامتيازات التي تحظى بها المشاريع الأكبر. يخضع اختيار القرار الأفضل لرؤية الجهة التنظيمية التي يفترض أن تملك المعلومة الصحيحة وتسعى لاستغلالها لإعادة توجيه الاستثمارات بما يخدم الأهداف الاقتصادية. في منتصف هذه الحيرة التي تتأثر بسلوك المستثمر وإدارة منظم السوق، يقف مؤسس المشروع وحيدا. فهو يحصل على الدعم المعنوي والتصفيق الحار وربما قرض حكومي يمكنه من قص الشريط ولكنه يصطدم بعد ذلك بواقع المستثمرين، لتتأرجح أحلام التوسع وجني الثمار. ومع بطء التشريعات، تتباطأ احتمالات النمو وصنع الوظائف وتنويع مصادر الدخل، وهذا يعني المزيد من الفرص الضائعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي