مَن يحاسب الإعلام في السويد؟

هناك خطان متميزان يسير عليهما الإعلام في السويد. الأول يتمثل في تغطيته للأحداث الخارجية، ولا سيما الشرق أوسطية منها، والآخر يتعلق بالتغطية الداخلية.
الخط الأول كان ولا يزال مثار انتقادي الشديد ضمن المحاضرات العامة التي ألقيها أو الكتب أو الأبحاث التي ألفتها وحتى اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية والصحافية التي أظهر فيها.
ورغم نقدي اللاذع أحيانا للطريقة التي يتناول بها الإعلام السويدي المسائل والقضايا العربية والإسلامية، لكن من الإنصاف القول إن السويديين بصورة عامة شعب مثقف وراق له ولع شديد بالتعلم ويبحث عن المعلومة من مصادرها الأساسية.
شخصيا أرى الشعب السويدي أكثر ثقافة وتعلما وأكثر عدالة في خطابه في هذا الشأن من الدول الغربية الأخرى.
وقد أخصص مقالا منفصلا للتحدث عن التغطية الخارجية في الإعلام السويدي، لكنني سأقصر رسالتنا هذه على التغطية الداخلية.
السويد بلد الشفافية رقم واحد في العالم. هذا معناه أن المسؤول الحكومي أو غيره ليس بإمكانه التغطية على معلومة أو رفض الإفصاح عنها للصحافة والإعلام عدا التي لا يمكن تسريبها بعد صدور قرار قضائي أو تشريعي من البرلمان بذلك، وهذا الأمر نادر الحدوث.
ولهذا صارت مسألة الانفتاح على الإعلام والصحافة والتفاعل والتعامل مع ما يطرحه الإعلاميون من أسئلة وطلبات جزءا من الثقافة السويدية.
وأتذكر عندما كنت أعمل في وكالات عالمية مثل «رويترز» و«أسوشيتد برس»، ويتذكر معي زملائي الصحافيون أننا كنا سعداء جدا إن كان رئيس أي وفد للأمم المتحدة أو غيرها سويدي الجنسية لأن هذا كان يعني أنه بإمكاننا مقابلته والتحدث إليه أو مهاتفته متى ما شئنا والحصول على المعلومة بيسر وسهولة.
وهناك نقطة مهمة أخرى لا أظن أنه قد تم تشريعها، لكنها صارت جزءا من الممارسة الصحافية هنا وهي الحق في الحصول على الوثائق. الصحافي السويدي بإمكانه الحصول على وثائق تظهر صرفيات ونفقات وراتب رئس الوزراء مثلا أو أي مسؤول آخر عن أي نشاط، وكثيرا ما حدث أن تم كشف تلاعب في النفقات من قبل الموفدين الحكوميين وبمبالغ ليست كبيرة على الإطلاق ويضطر المسؤول إلى الاستقالة وترك العمل بعد كشف التلاعب.
وأغرب شيء لا حظته، وهذا لم يكن مسموحا لي كصحافي عندما كنت أعمل في «رويترز» و«أسوشيتدبرس» وهما يتربعان على عرش الوكالات الإخبارية العالمية، هو الجرأة في انتقاد الوسيلة الإعلامية ذاتها التي يشتغل الصحافي فيها.
الإعلام هنا ينتقد الإعلام وانتقاد الإعلام يأتي أغلبه من الإعلاميين ضمن الوسيلة الإعلامية ذاتها وعلى الملأ دون أن يكون لذلك أي تبعات من عقوبة أو فصل أو غيره.
المدير العام للإذاعة السويدية يترك عمله ويستقيل بعد قيام صحافي في الإذاعة ذاتها ببث تقرير عن مشاريعه الفاشلة.
تقرأ أوسع صحيفة انتشارا وإذا بك أمام موضوع في الصفحة الرئسية يهاجم فيه صحافي من الجريدة نفسها رئيس تحريره. وفي اليوم التالي يرد عليه رئس التحرير، والصحافي صامد ولا يخشى أي تبعات لما كتبه ضد رئيس التحرير.
والصحافي قلما يقع تحت طائلة القانون. أكثر الأحيان التي يعاقب فيها إعلامي تأتي عند إيراد خطاب يثير الكراهية أو ينتقص من شخص أو مجموعة بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. عداها الصحافيون أحرار وإن أخطأوا يطلب منهم الاعتذار وهذا أقصى ما يقومون به.
ولأهمية ما يكتبه الصحافيون يقال إن أول عمل يقوم به المدعون العامون في السويد هو قراءة الصحف في الصباح الباكر والنظر إن كانت هناك قضية تمت إثارتها وتتطلب رفعها للمحاكم أو متابعتها من قبل الشرطة.
هل هناك شيء يمكن للإعلام العربي تعلمه من الإعلام السويدي؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي