المدرس الخصوصي يتقاضى 100 ألف ريال شهريا .. ما الحل؟

تطرقت في مقال سابق إلى الدروس الخصوصية التي ابتليت بها بيئتنا التعليمية، فلا يكاد يوجد فرد في بلادنا إلا وقد حصل على درس خصوصي قل أو كثر. وقد ناقشت الموضوع من ثلاثة محاور رئيسة وهي: النظام التعليمي، المستفيدون من الدروس الخصوصية من الطلاب وأولياء الأمور، ومروجو الدروس الخصوصية. وقد ترفعت أن أطلق عليهم معلمين لأنهم لا يمارسون التعليم، بل يروجون لبضاعة مزجاة، وقد أعذرهم بعض الشيء، فنحن الذي هيأنا لهم الظروف وصنعنا لهم الوظائف، فقد وجدوا ثغرات في نظامنا التعليمي تسللوا من خلالها.
فقد ذكرت أن نظامنا التعليمي له دور بارز في تفاقم أزمة الدروس الخصوصية وإبقائها مهنة مربحة ووظيفة من لم يجد له عملا، أو من أراد أن يزيد دخله ويسترزق على حساب أولياء الأمور. وتكمن مشاركة المؤسسات التعليمية في تفاقم هذه الأزمة من آلياتها في التقييم وتغييرها المناهج في كل حين. ورغم المساهمة الفاعلة للنظام التعليمي في انتشار الدروس الخصوصية، إلا أن المصدر الرئيس هنا هم المواطنون. فبعض أولياء الأمور يعتقدون أن الدروس الخصوصية ستمنح أبناءهم فرصا أخرى للاستذكار، والتحصيل لا يظفر بها أقرانهم وهم لا يعلمون أنهم بطريقتهم هذه يعودون أبناءهم الإهمال والكسل وعدم الاهتمام واللامبالاة بالدروس التي تلقى في قاعات الدرس، مما يسبب لهم تبلدا ذهنيا، فهم (الطلاب) يعلمون أن من يعولهم سيوفر لهم درسا خصوصيا يعيد عليهم ما فقدوه خلال العام الدراسي. أما الطرف الثالث في القضية فهم المدرسون الخصوصيون الذين يقدر دخل بعضهم في بعض الشهور ما يفوق 100 ألف ريال! تخيل معي وافد أتى بفيزة عامل يفترض أن يتقاضى 800 ريال كحد أقصى يحصل على 100 ألف ريال في الشهر بدعم مني ومنك! كم تستغرق أنت من الوقت لكي تحصل على هذا المبلغ؟
وفي هذا المقال أريد أن أقدم بعض المقترحات للجهات الرسمية وكذلك بعض النصائح للطلاب وأولياء الأمور من أجل أن نتكاتف جميعا للقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية. أولا يجب الاهتمام المبالغ فيه بالمعلم وتدريبه وصقل مهارته وتدليله، بحيث تكون وظيفة المعلم حلم الشيبة والشباب والكبير والصغير والرجل والمرأة، فالاهتمام بالمعلم لا يقضي فقط على ظاهرة الدروس الخصوصية، بل سيحل كثيرا من المشاكل التي ظهرت في الآونة الأخيرة، والتي كان سببها المباشر سوء اختيار المعلمين. وقد سبق أن بينت وجهة نظري حيال الاهتمام بالمعلم في كل مناسبة أتكلم فيها عن التعليم، كما تطرق إلى هذا غالبية الكتاب والخبراء التربويين والمهتمين بالتعليم، فالكل مجمع على أن أي خطة لتطوير التعليم لا يكون في مقدمتها حسن اختيار المعلمين ستكون خطة فاشلة بامتياز.
نعود لموضوع الدروس الخصوصية فنقول إن من أبرز الآليات للقضاء عليها تذكير المعلمين بالأمانة الملقاة على عواتقهم؛ فبعض المعلمين يخل بالفعل بواجباته ولا يعطي موضوع الدرس حقه في القاعة مما يلجأ الكثير من الطلاب إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية، بل إن بعض المعلمين يتعمدون تعقيد المادة العلمية في القاعة من أجل أن يُستعان بهم في دروس خصوصية، وهذا سائد في المدارس الخاصة، حيث نجد ولي الأمر يدفع رسوم المدرسة، ثم يدفع فاتورة الدروس الخصوصية لبعض المعلمين/المعلمات الذين يدرسون المنهج نفسه الذي يدرس في المدرسة يتلقاه الطالب في المنزل، ولكن بطريقة أكثر وضوحا، ويتم دفع المبلغ على مرحلتين جهارا نهارا لبعض المعلمين في المدرسة الخاصة وبعلم مدير/ مديرة المدرسة ورضاء أولياء الأمور واطلاع وزارة التربية والتعليم.
كما أن السيطرة على عدد الطلاب في الفصول له دور في استيعاب الطلاب، وهذا بدوره يشجع على تقليص الاستعانة بالدروس الخصوصية. فمها كانت خبرات ومؤهلات وقدرات المعلمين فلن يستطيعوا أن يؤدوا عملهم إذا كان عدد الطلاب في الفصل يفوق 40 طالبا، بل إن بعض الفصول في بعض المدارس يصل عدد الطلاب فيها إلى ما يقارب 60. ولا يكفي التحكم في أعداد الطلاب في القاعات إذا لم يراع المعلم الفروق العقلية والقدرات الفردية، فبعض الطلاب لديهم صعوبة في تلقي بعض العلوم، لذا يمكن للمعلم اكتشاف ذلك وإبلاغ إدارة المدرسة، ومن ثم يخضع هؤلاء لبرامج تقوية تحت إشراف المدرسة تقدم لهم مجانا، فقدرات الطلاب متفاوتة وبعضهم بالفعل يحتاج إلى اهتمام أكثر من البقية وتكون تحت إشراف جهات رسمية خصوصا وزارة التربية والتعليم. ويمكن أن تساهم بعض المعاهد المتخصصة والمعتمدة من التربية والتعليم في عقد دورات خلال فترات متقاربة من السنة لمن أراد أن يتدرب على الاختبارات التي تعتمدها الجامعات كالقدرات والتحصيلي، وما في حكمها حتى لا يلجأ الطلاب إلى خفافيش الظلام يلتهمون أموالهم ويبيعون لهم الوهم.
هذه بعض المقترحات للسيطرة على ظاهرة الدروس الخصوصية وهناك المزيد لا يتسع المكان لذكرها، لذا يجب علينا أن نتكاتف لمعالجتها ورد الأمور إلى نصابها ونحمى بلادنا وأبناءنا وأمننا الفكري والتعليمي من تفاقم هذه المشكلة، وأخص بذلك المواطن. فقد فاجأنا قبل عدة أشهر ظهور فئة من الإثيوبيين في بعض الجهات بالتقتيل والإفساد في الأرض، الذين كنا بالأمس نطعمهم ونأويهم ونستعملهم وأظن أن مروجي الدروس الخصوصية الذين نتعاون معهم في حين غفلة من الأجهزة الأمنية سيسددون سهامهم إلينا إذا لم نتوقف عن هذا الترف ونحث أبناءنا على الاعتماد على أنفسهم.
حتى يعطى الموضوع حقه علينا أن نعرض هذه القضية للرأي العام على هيئة ندوة نغطي فيها بعض المحاور المهمة منها: كيف بدأت مهنة الدروس الخصوصية؟ أسبابها؟ ومن تزعمها؟ ومن يقف وراءها؟ وهل لنظامنا التعليمي دور في رواجها؟ وهل هي ظاهرة دولية أم أنها مقتصرة على مجتمعات بعينها؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي