الانتقام من المدرسة
مشهد مريع ومؤلم للقلب حين يخرج الطلاب من مدرستهم وهم بالعشرات ويمزقون ويرمون بالكتب والدفاتر على الأرض ويدوسونها بأرجلهم وتسير عليها السيارة وهي مبعثرة أمام المدرسة، ويطلق الطلاب الضحكات بصورة هستيرية تدل على أن الطلاب يشعرون بتحقيق انتصار عظيم على خصم عنيد وقوي. هذا المشهد نقلته وسائل التواصل الاجتماعي صوتا وصورة.
سبق وكتبت في هذه الزاوية عن ظاهرة امتهان الكتب الدراسية والمراجع، التي تظهر بصورة واضحة مع الاختبارات، لكن هذه الظاهرة ليست محصورة في التعليم العام، بل نشاهدها في الجامعات، حيث يترك الطلاب الكتب والمراجع في الطرقات وكأنهم يقولون وداعاً للعلم والقراءة. صحيح أن طلب العلم، الذي هو طريق للمجد، معاناة ومشقة وسهر وقلق، لكن هذا هو طريق العلم والمجد، إذ لم يكونا في يوم من الأيام مفروشين بالورد ولن يكونا كذلك.
أطفال في عمر الزهور يخرجون من بيتهم الثاني فرحين مبتهجين بالمغادرة وتكون وسيلة التعبير عن الفرح تمزيق الكتب وامتهانها، فهذا أمر يحتاج إلى الوقفة والتأمل والتحليل لمعرفة الأسباب وراء مثل هذا السلوك المشين الذي يشير إلى خلل في المنظومة التربوية بدءا من فلسفتها ومرورا بأنظمتها وعملياتها وانتهاء ببيئتها التي يقضي فيها الطالب ثلث يومه، حتى نتمكن من الوقوف على المشكلة لا بد من طرح تساؤلات مثل: هل إدارتنا للعملية التربوية والتعليمية فيها ما ينفر الطلاب من المدرسة؟ وهل العملية التعليمية والتربوية فيها من الأنشطة والفعاليات الجاذبة وغير المنفرة؟ وهل بيئة المدرسة مريحة وتتوافر فيها الإمكانات المريحة، وهل المعرفة المقدمة للطلاب مشوقة ومحفزة؟ هذه الأسئلة وغيرها قد تكون مفتاحا لكشف أسباب السلوك العبثي واللاحضاري الذي شاهدناه عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
المفتاح الرئيس في هذه المشكلة هو أن نعترف أن هذا الفعل هو أحد المخرجات التربوية في مفهومها الشامل، التي لا تقتصر على المعرفة ومن ضمنها الاتجاهات التي تشكلت لدى الطلاب سواء نحو المدرسة ككيان أو نحو أحد عناصر العملية التربوية والتعليمية سواء كان أستاذا أو كتابا أو موقفا من المواقف التي أسهمت في تشكيل الاتجاهات التي بدورها أدت إلى هذا التصرف.
لا أعتقد أن الاتجاه السلبي موجه للكتاب في حد ذاته لما قد يكون فيه من صعوبة في الفهم، أو سوء إخراج، أو معرفة مملة ولا يشعر الطالب بفائدتها، بل إن الاتجاه يطول العملية التربوية بكاملها، وما تمزيق الكتاب إلا تعبير عن ذلك، فالكتاب هو الذي في متناول الطالب، وكأنه يقول هذه فرصتي للانتقام من المعلم، ومن المدرسة التي طالما شعرت فيها بالضجر، ويعزز هذا النفور من المدرسة الشائعات التي تنتشر كلما تشكلت السحب أو ثار الغبار أو تزامنت إجازة مع نهاية أسبوع، ما يؤكد حالة النفور التي توجد لدى الطلاب.
المؤلم في الأمر أن الطلاب الذين مارسوا الفعل المشين لا يزالون في عمر الزهور ولم يقطعوا شوطا في طريق التعليم حتى يبدأ النفور والملل من التمكن منهم، خاصة أنه في أوطان أخرى تمثل المدرسة مكانا جاذبا يلقى فيه الطلاب المتعة، بل إن معاقبة الطالب تتم بحرمانه من الحضور للمدرسة في يوم من الأيام. الأمر يحتاج إلى مزيد من الأبحاث والدراسات لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذه التصرفات ولن تحل بقرار أو تعميم يوجه لإدارات التعليم والمدارس، إذ إنه مرتبط بالمشاعر والأحاسيس التي تقود لمثل تصرفات كهذه.