رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أنظمة التمويل العقاري بين مفهومي التطوير والحماية

يبدو لي أن أنظمة التمويل العقاري بشقيه، وهما تمويل المطورين العقاريين وتمويل الأفراد الراغبين في شراء المساكن المُطورة تتنازعهما جهات منظمة عدة، هي: مؤسسة النقد العربي السعودي، هيئة السوق المالية، وزارة التجارة، وزارة العدل، ويبدو لي أن هذه الأجهزة الحكومية المنظمة بصورة أو بأخرى لأنظمة التمويل العقاري والمطبقة لها لغايتي تطوير السوق العقارية لتلعب دورها المهم والحيوي في الاقتصاد الوطني من جهة وحماية كل عناصر هذه السوق دون تغليب مصلحة طرف على آخر تُغلب الحماية على التطوير بما في ذلك حماية ذاتها من الوقوع في المشاكل التي قد تطيح بمسؤوليها.
السوق العقارية تعتبر القطاع الاقتصادي الثاني من حيث الحجم بعد قطاع النفط والغاز إلا أنها الأقل تمويلا مقارنةً بكثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى سواء على مستوى تمويل المطورين أو على مستوى تمويل المشترين رغم أن القطاع العقاري يعتبر القطاع الأمثل والأكثر أماناً لإصدار السندات التي تعتبر قناة استثمارية ضخمة تستوعب مليارات الراغبين في استثمار أموالهم في ملاذات استثمارية قليلة المخاطر رغم أنه يمثل القاعدة الاقتصادية للاقتصادات الرأسمالية.
أنظمة التمويل العقاري جاءت لغاية معالجة هذا الخلل لتنهض عناصر السوق العقارية بمسؤولياتها وتسهم في التنمية الاقتصادية بكل أبعادها من خلال تنمية المجالات العقارية كافة بما في ذلك المجال الإسكاني الذي بات مشكلة التفتت إليها الدولة بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية لتفاقمها بشكل ينذر بمخاطر على مستوى جودة معيشة المواطن حيث الفجوة السنوية بين الحاجة إلى المساكن والطلب تصل لنحو 100 ألف وحدة سكنية بسبب ضعف القدرة الشرائية التي يمكن معالجة الكثير من حالاتها بتطوير أنظمة التمويل وتسهيل متطلباتها وفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار وبتحمل الجهات كافة مسؤولياتها التطويرية للسوق العقارية بمستوى مسؤوليتها الحمائية نفسها لعناصر السوق كافة.
بكل تأكيد معالجة القدرة الشرائية للمواطن لا تتعلق بالجهات المُنظمة ذات الصلة بأنظمة التمويل العقاري فقط فهي تتعلق أيضاً بجهات منظمة أخرى مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الإسكان وهما وزارتان معنيتان من خلال تنظيماتهما ومنتجاتهما بشيوع أنواع متعددة من الوحدات السكنية المقبولة من الأسر السعودية بمختلف مراحلها من جهة القدرة الاقتصادية ومن جهة عدد أفراد الأسرة، وبكل تأكيد هاتان الجهتان يمكن أن تلعبا دورا كبيرا في إشاعة ثقافة مساكن العمر المتعددة المساحات حسب حاجة الأسرة وقدرتها الشرائية التي تعززها أنظمة التمويل العقارية ودعم الدولة من خلال صندوق التنمية العقاري.
غايات التمويل العقاري تتجاوز بكل تأكيد رفع القدرة الشرائية للمواطن ليتمكن من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر بتحويل ما يدفعه من إيجارات ذاهبة لغير رجعة إلى دفعات شهرية تتراكم كمدخرات في العين العقارية المشتراة التي أثبت التاريخ العقاري في المملكة وغيرها أنها متعاظمة القيمة بمرور الزمن بفعل التضخم على أقل تقدير، نعم فغايات التمويل العقاري تطور الصناعة العقارية وتنمي إبداعاتها لتلبي كل أبعاد العقارات التي تشكل المساكن منها نحو 70 في المائة بما في ذلك الأبعاد الاقتصادية للوطن والمواطن.
التمويل العقاري للمشاريع العقارية لا يكون إلا للشركات أو المؤسسات المطورة ولا يكون للأفراد ذلك أن الممول لا يمول إلا شركة أو مؤسسة قادرة على الوفاء بالتزاماتها من جهة القدرة على إنتاج وحدات سكنية عالية الجودة متعاظمة القيمة تفي باحتياجات الساكنين وقادرة على إنتاجها بتكاليف معقولة من الشرائح المستهدفة والالتزام بتطويرها وفق خطة التطوير الزمنية المحددة وبيعها بأسعار متناولة لتكون عملية التمويل عملية ناجحة سواء كان التمويل من مؤسسات مالية أو من خلال الصناديق الاستثمارية.
وبالتالي فإن التمويل العقاري سيزيد من حصة التطوير المؤسساتي عالي الجودة على حساب التطوير الفردي منخفض الجودة، حيث إن التطوير المؤسساتي الكمي وفق نظرية اقتصاديات الوفرة يُمكن شركات التطوير من بناء التحالفات طويلة الأجل وبأسعار تفضيلية مع المكاتب الهندسية والمقاولين وموردي مواد البناء لتطوير مساكن عالية الجودة من جهة التصاميم والمواد والمصنعية بخلاف التطوير الفردي الذي يطور أعدادا محدودة لا تمكنه من ذلك.
بحسب عبد الله الرشود الرئيس التنفيذي لأحد المصارف الاستثمارية الممولة لمشاريع عقارية من خلال آلية الصناديق العقارية فإن المؤسسات التمويلية المقرضة بالتعاون مع المطورين العقاريين تخلق فرقا حقيقيا في مستوى جودة وأسعار المنتجات العقارية بحكم متطلبات المموّلين العقاريين وتشددهم الإيجابي في التأكد من جودة المشاريع الممولة لكونها الضمان الرئيس لنجاح عملية التمويل وتحقيق أهدافها، حيث، على سبيل المثال، تطلب المصارف الممولة تعيين استشاري هندسي مستقل، وبوليصة تأمين لكل أنواع الأخطار، وشهادات جودة وضمانات حسن التنفيذ وخلافه، وكل ذلك من وجهة نظري سيحفز عمليات تمويل الأفراد لشراء المناسب منها، ذلك أن العين العقارية الممولة في هذه الحالة متعاظمة وغير متهالكة القيمة خلال السنوات العشرين المقبلة على أقل تقدير.
التمويل العقاري للمطورين العقاريين من خلال المؤسسات المالية أو من خلال السوق المالية زاد خلال العقد الماضي، إذ لدينا اليوم صناديق عقارية بنحو 25 مليار ريال إلا أنه بكل تأكيد دون المأمول بكثير رغم حاجة المؤسسات التمويلية إلى تنويع محافظها التمويلية ورغبتها في استثمار حجم السوق العقارية الكبرى وبكل تأكيد وأجزم أن الأنظمة الحمائية التي تسنها وتطبقها الهيئات ذات الصلة بأنظمة التمويل العقاري بصرامة لحماية ظهرها تحد من نموها بالشكل المستهدف بأعذار متعددة جلها منطقي إلا أنها تشير بصورة أو بأخرى إلى عدم الرغبة في تحمل مسؤولية تنمية القطاع ومخاطر ذلك المحسوبة.
ختاماً أتطلع إلى أن تتواصل الجهات المنظمة للتمويل العقاري وتتكامل للعمل معاً ككتلة واحدة لتنمية التمويل العقاري للمطورين والأفراد الراغبين في شراء مساكن لهم بضمان دخولهم الشهرية ليتناسب حجم التمويل العقاري وحجم القطاع العقاري ولتتمكن عناصر السوق العقارية من معالجة المشكلة الإسكانية بأبعادها كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي