رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إعادة تنظيم عملية الاكتتاب

في المقال السابق تطرقت لمشكلة الاكتتاب في الأسهم السعودية، وكيف أنه ارتفع عدد الشركات المدرجة في عشر سنوات من 70 شركة إلى 162 شركة، مع وجود 35 شركة عائلية على وشك الإدراج، وأن الإدراج يتم بالطريقة التقليدية وما يتخللها من إشكاليات في تحديد علاوة الإصدار وتوزيع الأسهم وتداولها في أول يوم بعد الطرح. هذا الأسبوع أطرح فكرة إعادة تنظيم عملية الاكتتاب للخروج بطريقة أكثر عدالة وتفادياً لعدد من السلبيات التي نشاهدها في عمليات الاكتتاب.
أولاً علينا التخلص من التنظيم الحالي الذي يوحي بأن عملية الاكتتاب عبارة عن منحة مالية مقدمة من الحكومة للمواطن، لا على أنها عملية استثمارية بين شركة خاصة ومستثمرين، ونزع الطابع الحكومي الرسمي الذي تتلبسه هذه العملية. عندما يعلم المكتتب أن العملية في حقيقتها تجارة واستثمار، محفوفة بالمخاطر وقدر كبير من المجازفة، عندها يكون الاكتتاب مبني على أسس سليمة بعيداً عن الغطاء الحكومي المفترض. كما أن في ذلك إخلاء لمسؤولية الحكومة في حال فشل الاكتتاب أو إخفاق السهم فيما بعد ذلك.
ثانياً، تأتي عملية تقييم الشركة في مرحلتين، الأولى تتم من قبل مؤسسات مالية احترافية مستقلة عن الشركة وتحت إشراف هيئة السوق المالية وعلى تكلفة الشركة المتقدمة، والمرحلة الثانية تتم من خلال آلية اكتتاب مفتوحة سيتم شرحها بعد قليل. الهدف من المرحلة الأولى للتقييم من قبل مؤسسات مالية مستقلة هو الوصول إلى سعر استرشادي لسهم الشركة، أما المرحلة الثانية فهي التي يتحدد من خلالها السعر النهائي الفعلي، ويتم ذلك من قبل جموع المستثمرين والمتعاملين في السوق.
تتم عملية التقييم للمرحلة الأولى بأخذ ثلاثة تقديرات من ثلاث مؤسسات مالية حسب نموذجين أو ثلاثة من النماذج المالية المتعارف عليها في تقييم الشركات والأخذ بمتوسط التقديرات من المؤسسات الثلاث وفقاً لنتائج كل من النماذج المالية الثلاثة. في هذه المرحلة يجب أن لا يكون هناك أي اتصال مباشر بين المؤسسات المالية المقيمة والشركة المتقدمة، وأي استيضاح أو استفسار لا يوجد له جواب في بيانات الشركة ومسودة وثيقة الطرح، يتم طلبه من الشركة بشكل رسمي عن طريق الهيئة وتضمّن الأجوبة في مسودة وثيقة الطرح. إذاً في نهاية هذه المرحلة يكون قد تحدد سعر الطرح الاسترشادي وتم الانتهاء من النسخة النهائية لوثيقة الطرح.
ثالثاً نأتي لمرحلة الاكتتاب الفعلية والتي تتم بآلية الاكتتاب المفتوح، حيث تقوم الشركة بتحديد عدد الأسهم المطروحة دون إلزامها بطرح نسبة معينة من رأسمالها، سواء رغبت الشركة في طرح 30 في المائة من رأسمالها، أو أقل أو أكثر، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية قيام الهيئة بتحديد نسبة دنيا من رأسمال الشركة، ربما لأسباب لوجستية أو تنظيمية. هنا تجدر الإشارة إلى أن الشركة في حقيقة الأمر حرة برأسمالها وحرة بتحديد حجم الجزء الذي تريد بيعه، ولا يصح أن يكون هناك إلزام ببيع نسبة محددة للعموم، عدا ربما الحد الأدنى الذي تقره الهيئة لأسباب عملية.
أثناء فترة الاكتتاب يقوم كل مكتتب بتحديد عدد الأسهم التي يرغب الشراء بها والسعر الذي سيشتريها به، فينتج عن ذلك وجود عدد كبير من طلبات الشراء بأسعار مختلفة، تتراوح ما بين القيمة الاسمية للسهم (عشرة ريالات) وتتصاعد مروراً بالسعر الاسترشادي الناتج عن مرحلة التقييم الأولى، إلى أي سعر آخر يحدده المستثمرون. لاحظ هنا أن المكتتبين ليسوا مقيدين بالسعر الاسترشادي، بل قد يرى بعض المكتتبين أن السهم لا يستحق السعر الاسترشادي، وآخرون قد يرون أنه يستحق سعراً أعلى من ذلك. الهدف أن تترك لجموع المستثمرين والمتعاملين بالسوق حرية تحديد السعر المناسب، بناء على قراءاتهم الخاصة للشركة واستئناساً برأي المؤسسات المالية الاحترافية التي قيمت السهم.
في هذه الطريقة الجديدة للاكتتاب لا يُعمل بطريقة توزيع الأسهم بالنسبة والتناسب مع عدد المكتتبين، كما هو معمول به حالياً، بل يُعمل بمبدأ حرية السوق وقوى العرض والطلب. يجب علينا التخلص من مفهوم عدالة التوزيع وكأننا أمام منحة حكومية توزع على المواطنين بالتساوي. من يريد شراء أسهم الشركة فليكتتب بالسعر الذي يرضى به ويحدده في طلب الاكتتاب، أو ألا يكتتب إطلاقاً.
كيف يتم تحديد سعر الاكتتاب في هذه الحالة، إذا كانت لدينا طبقات عديدة من الأسعار وأعداد متفاوتة من الأسهم؟ كما ذكرنا، كل مكتتب يقوم بتحديد عدد الأسهم التي يريد الاكتتاب بها والسعر الذي يراه مناسباً، وبالضرورة سيكون هناك عدة طلبات وعدة أسعار وعدة كميات، إلا أن سعر الاكتتاب سعر واحد ثابت يسري على جميع المكتتبين ويتم اختياره من بين الأسعار المطروحة في كونه أعلى سعر يمكن من خلاله بيع جميع الأسهم المطروحة دون تجاوز للسعر المحدد من قبل المكتتب. لإيضاح ذلك بمثال لتقريب الفكرة، لو فرضنا أن عدد الأسهم المطروحة 100 مليون سهم، وكانت هناك طلبات اكتتاب بمقدار 40 مليون سهم بسعر 50 ريالا، وطلبات اكتتاب بمقدار 10 ملايين سهم بسعر 60 ريالا، و10 ملايين سهم بالقيمة الاسمية (10 ريالات)، و50 مليون سهم للاكتتاب بسعر 40 ريالا، فسيكون سعر الاكتتاب النهائي 40 ريالا. لماذا؟ لاحظ أن عدد الأسهم المطلوبة 110 ملايين سهم، بينما المطروحة 100 مليون سهم، ثم لاحظ أن هناك 100 مليون سهم لديها الرغبة في الاكتتاب بسعر 40 ريالا وأكثر. لذا فإن السعر 40 ريالا سيكون هو السعر الذي يمكن بيع جميع الأسهم به، دون إضرار بأي من المكتتبين. من أراد شراء 40 مليون سهم بسعر 50 ريالا فسيحصل على ما يريد بسعر أفضل (40 ريالا)، مثله كذلك من وافق على شراء 10 ملايين سهم بسعر 60 ريالا، سيحصل على أسهم بسعر 40 ريالا، بينما لن يحالف الحظ من رغب بالاكتتاب بسعر 10 ريالات لأن هناك من سيدفع سعراً أعلى من ذلك.
فوائد طريقة الاكتتاب هذه أنها أولاً تنزع الغطاء الحكومي الوهمي عن عملية الاكتتاب. ثانياً، يتم العمل بآلية احترافية لتحديد مقدار علاوة الإصدار بطرق علمية سليمة من قبل مؤسسات مالية معتمدة. وثالثاً، تترك عملية تحديد السعر المستحق لجموع المستثمرين وما يصحب ذلك من تجاذبات لقوى العرض والطلب حسب قراءة كل فرد، وليس بشفافية محدودة من قبل عدد محدود من المؤسسات المالية المشاركة في بناء سجل الأوامر.
أخيراً هناك بالضرورة ضوابط عديدة لتنظيم هذه العملية، تشمل السماح للشركة بسحب طلبها فيما لو لم يناسبها سعر الاكتتاب، وتشمل آلية إدخال الطلبات وما إذا كانت الطلبات سرية أم علنية، إلى جانب عمل بعض التعديلات في حالة الشركات الحكومية المطروحة للاكتتاب، وما إلى ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي