الوزير المانع يوثق تجربته الوزارية عبر كتاب مثير

حفل معرض الكتاب هذا العام بالعديد من الكتب المهمة والثرية، لكني أعتقد أن كتاب وزير الصحة السابق الدكتور حمد المانع كان من أهم الكتب على صعيد القطاع الصحي. ولعلي أشكره على أن أمتعنا بتوثيق مرحلة وزارية حافلة بالعديد من الأحداث المهمة، خصوصا أن وزارته من الوزارات الخدمية التي تهم شريحة كبيرة من المواطنين والمهتمين بالشأن الصحي. كما أتمنى من الوزراء السابقين خصوصا وزراء الصحة السابقين، توثيق فترة رئاستهم مثل الدكتور أسامة شبكشي والدكتور جميل الحجيلان.
بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي مع ما طرحه الوزير السابق في كتابه، لكن بلا شك أن إطلالة الوزير مجددا عبر هذا الكتاب تعتبر جراءة يشكر عليها الوزير السابق خصوصا أنه تطرق في كتابه لموضوعات شائكة عديدة. كما أنه في كتابه هاجم العديد من الجهات والأشخاص الذين يرى أنهم كانوا يسعون إلى إسقاطه شخصيا. لذا فالوزير المانع توقع قبل نشر كتابه أن يثير كتابه بعض الردود الغاضبة، فكما قال "وقد عاهدت نفسي والقارئ الكريم أن أورد الوقائع بصدق دون تجنٍّ، ولا ذنب لي أن أغضب إيرادي غيري". كما أن الوزير السابق توقع أن يحدث كتابه اختلافا بين المهتمين، لذا ذكر أيضا أن الكتاب قابل للنقاش والردود، فقال "إن فضاء الرأي أوسع من أن يضيق بأحد". إجمالا ما يميز كتاب الدكتور المانع أنه كتب بطريقة أدبية راقية. هذا الرقي في الأدبيات لم يمنع أن يكون الطرح مباشرا. هذه الحقيقة مصداق لما أوضحه في غلاف كتابه حين قال "وقد حرصت أن تكون هذه السيرة صريحة بعض الشيء؛ لأن الصراحة الكاملة ضرب من المستحيل".
عند مقارنة الآلية التي استخدمها الوزير المانع في نثر أفكاره أجدها مختلفة عن الآلية التي استخدمها الفقيد غازي القصيبي رحمه الله. هذا الاختلاف في الطرح بين الوزيرين هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. فالوزير السابق غازي القصيبي- رحمه الله- وثق حياته العلمية والشخصية عبر عدة مؤلفات وروايات. لكن ما وثقه الوزير القصيبي- رحمه الله- والمرتبط بحقبته أو حقباته الوزارية المتعددة برزت في كتابين قيمين اثنين. الكاتب الأول: كتاب الوزير المرافق الذي تناول فيه مرحلة فترة عمله كوزير للصناعة ووزير للصحة، وقيامه بدور المرافق للرؤساء والملوك الذين زاروا المملكة العربية السعودية في حقبة السبعينيات والثمانينيات الماضية، فالمتأمل لكتاب الوزير المرافق يلاحظ أنه طغى عليه الجانب السياسي، خصوصا أنه سرد في طياته بعض المشادات التي كانت تحدث بين رؤساء الدول. كما أن القصيبي- رحمه الله- أعطى للكتاب بصمته المعهودة بذكر بعض مواقفه الشخصية مع بعض قادة الدول. الكتاب الثاني: كتاب حياة في الإدارة. هذا الكتاب يعتبر الأبرز والأجمل خصوصا أنه تناول من خلاله بعض الجوانب الإدارية في حياته، وقدم فيه بطريقة شيقة وممتعة بعض الدروس الإدارية للمهتمين بالإدارة، سواء أكانوا متمرسين أم طلابا أم باحثين.
أعود مرة أخرى إلى الحديث حول كتاب الوزير السابق حمد المانع الذي تبدأ الإثارة فيه من عنوانه قبل محتواه. فعنوان الكتاب "لكم وللتاريخ .. سيرة وزارية صريحة". فالقارئ للكتاب من عنوانه إلى آخر صفحة فيه يشعر بحالة من الاحتقان مر بها وزير الصحة السابق. من وجهة نظري الشخصية، أعتقد أن الوزير المانع أراد عبر هذا الكتاب أن يحقق عدة أهدف، منها هدفان مهمان: الهدف الأول: توثيق بعض الإنجازات التي حققتها وزارة الصحة في عهده كفكرة الحزام الصحي وغيرها من القرارات. الهدف الثاني: حاول عبر الكتاب أن يدافع عن بعض القرارات التي صدرت في عهده كإنشاء كلية الطب في مدينة الملك فهد الطبية وغيرها من القرارات الأخرى التي يحفل بها الكتاب.
كما أن قارئ الكتاب يجد فيه هجوما عنيفا من الوزير المانع على كتاب الرأي والمحررين الصحفيين، بل بعض المؤسسات الإعلامية. بل نعت بالفساد وقلب الحقائق لأصحاب الأقلام والأعمدة والرأي، بل وصل الأمر أن اعتبر الوزير المانع النقد الذي كان متداولا في وسائل الإعلام - أثناء توليه الوزارة - كان نقدا شخصيا له، وليس المقصود منه تطوير الخدمات الصحية بدليل- على حد تعبيره- أن النقد توقف بمجرد تنحيه عن الوزارة. كما حاول الوزير المانع حصر أسباب هذا الهجوم الشرس عليه وعلى وزارته؛ لكون وقوفه في وجه المفسدين الذين عبر عنهم بخفافيش الظلام.
ونظرا لحساسية الموضوع فلعلي أتحدث بتفصيل أكثر عن موقف الوزير السابق من النقد الإعلامي في الأسبوع القادم خصوصا أنه تحدث عن هذا الموضوع في بداية الكتاب، إضافة إلى أنه خصص لهذا الموضوع فصلا قبل نهاية الكتاب أسماه "أقلام وقراطيس .. صحافة المنحدرات".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي