إن اللهَ لم يتركني أعزل

"وُجِد الإنسانُ كي يعمرّ الأرضَ.. وكي يعمّر الأرض لا بد أن يقبل التحدِّي"- درسٌ تعلمته من منجزات ذوي الإعاقة.
هل أستطيع أن أعبِّر عما يدور في ذهن ذوي الإعاقة بكلماتي عن لسانهم. لمَ لا أحاول؟!
كأني التقطتُ النفسَ الأبِيَّةَ لكل منهم تحدِّثُ نفسَها فتقول:
"لم يعد يهمّني ما حدثّ لي، فإن ما حدث لي من مقتضيات الأمرِ والقدرِ المكتوب، وإنما ما يهمّني هو كيف سأتصرف حيال ما حدث لي. كيف أعمل وأتحدَّى وأنجز من واقع ما حدث لي. إني أقبل بكل ثقةٍ مسؤوليتي عن نفسي، لأني أعرفُ أن اللهَ لم يتركني أعزل.
لم يتركني الله أعزل، فأعطاني العقلَ، ومع العقل أدواته من العزمِ والإرادةِ والهمّةِ، ومنحني ذلك التعويضَ الإلهي الذي هو أكبر مما ظننتُ أني خسرتُ من إعاقتي. فهناك قوةٌ تعويضيةٌ جبّارةٌ وضعها في داخلي العدلُ الربّاني. وكل ما علي فعله هو أن أبحث عن هذه القوة المودعة في داخلي، كما يُبحَثُ في المناجمِ عن الجواهر. وأعرفُ يقيناً أني إن آمنتُ بوجودها، فلا شك لديّ أني سأجدها، وسأتميز بها وسأعلو.
في موضعي في هذه الدنيا، ومن تيارات ظروفي، أجدني متكاملا، متكاملٌ لأني صنعة الله الخالق الأعظم، أنا معجزة من معجزات ربِّي على الأرض. وإني أعترفُ بجسدي هذا، وأجده جميلاً، قوياً، وأنه رفيقي وصديقي في كل أيامي. أؤمن أن كل خليةٍ في جسدي وضع اللهُ بها عبقرية الحياة. إني أصغي لكل حركةِ ونداءٍ حيّويين في جسدي، وعندما أصغي أدرك مدى القوّة التي تدفعني لخوض غمارَ الحياة غير هيّابٍ ولا متردد، بل أخوضها قويّاً مع الأقوياء، وإن دعا الظرفُ وتطلّب الحالُ.. فزتُ على الأقوياء.
هذا أنا، لا خوف علي، ترعاني عينُ الإله، تهديني، تظلني، وتحرسني.. هذا أنا لا خوفَ علي.
سأختارُ أن أكون صحيحَ الجسمِ، يقظ العقلِ، واسعَ الإيمان، واعي الضمير. وسيكون خياري خياراً واحداً لا أقايضه بأي خيار.. ألا وهو خيار التفوق، خياري الوحيد".
أنتهي هنا لأختتم بدرس آخر مهم، وهو أن البطلات والأبطال من ذوي الإعاقة هم من يحلقون بنا بقوة ما وهبهم اللهُ من تعويضٍ أكبر وأبعد وأعمق وأذكى وأقوى، وأنهم هم من وضعونا تحت قوادم أجنحتهم ليرفعونا معهم.. وهم يحلّقون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي